تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عن الفعل، خصوصا وقد كان النحاة –وما زالوا- يعتبرون الفعل هو الذي رفع الفاعل ونصب المفعول. وبالمثل فنحن نضطر إلى الكلام في الفعل في درس الاسم لنفس السبب (الفعل لا بد له من فاعل وهو اسم أو في معنى الاسم). أضف إلى ذلك أن معظم كتب النحو، إن لم نقل كلها، قد دأبت على الجمع بين المسائل الصرفية والمسائل النحوية، مما جعل من المتعذر التمييز بين حدود علم الصرف وحدود علم النحو.

هذا النوع من التداخل بين الموضوعات والمستويات في كتب النحو العربي هو "التقصير" الذي أراد ابن رشد معالجته في كتابه. وهو تقصير يرجع سببه، كما قال، إلى أن النحاة "لم يستعملوا في إحصاء أنواع الإعراب القسمة الصحيحة التي لا يعرض فيها تداخل. وكل صناعة (=علم) لم تستعمل فيها بعدُ القسمة الحاصرة الغير متداخلة فهي صناعة ناقصة".

لأن الصناعة الموجودة عند نحويي العرب في زماننا هذا قد استوفيت ... لكن لا على المجرى الصناعي".

هدف ابن رشد إذن ليس تدارك مسألة من المسائل النحوية، فالنحو العربي في نظره "قد استوفيت" جميع مسائله فلا مجال فيه للزيادة على هذا المستوى، وإنما عيبه هو في أن موضوعاته ومسائله وجميع جزئياته تعرض بصورة لا تراعى فيها الطريقة التي تجعل من مجموعة من المعارف، كيفما كان ميدانها، علما يستحق هذا الوصف.

وهنا لابد من رفع التباس حرص ابن رشد نفسه على استبعاده. ذلك أن القارئ قد يتوهم أن فيلسوف قرطبة يريد دمج النحو في المنطق. وهذا في نظره جهل. يقول عن كتابه: "ربما عابه قوم لمفارقته المعتاد ... وربما قالوا: خلط صناعة المنطق بصناعة النحو، وهذا كله جهل بالطريق الصناعي". وإذن فلا علاقة لمشروع ابن رشد بمسألة "العلاقة بين النحو والمنطق" المعروفة في تاريخ الثقافة العربية والتي طرحت بحدة في القرن الرابع الهجري خلال المناظرة المشهورة بين أبي بشر متى رئيس مناطقة بغداد وأبي سعيد السيرافي رئيس نحاتها. ولا مجال للخلط كذلك بين مشروع ابن رشد وبين مسألة "تأثر النحو العربي بالمنطلق اليوناني"، وهي المسألة التي خاض فيها كثير من المعاصرين.

إن ابن رشد لا يخلط بين المنطق والنحو على أي مستوى، وإنما يريد صياغة مسائل النحو، كما هي كاملة ومنتهية في كتب النحاة، صياغة منهجية ترتفع به إلى مستوى العلم. والعلم كما يقول ابن رشد يعتمد القسمة الصحيحة غير المتداخلة كما يصوغ مسائله صياغة كلية تجمع شتات الجزئيات في قوانين عامة.

وهنا قد يطرح سؤال: كيف يمكن صياغة قواعد النحو في قوانين كلية، مع أن موضوعها هو جزئيات الكلام، وهي مختلفة. يرى ابن رشد أن ذلك ممكن، ولكن مع "التوسط في ذلك". وهذا راجع إلى أن كليات هذا العلم كليات استقرائية وليست استنتاجية، فنحن لا نستنتج قواعده من أصول موضوعة أو بديهيات عقلية، كلا. إن قواعد النحو تبنى على الاستقراء، والاستقراء ناقص بطبيعته وبالتالي لابد من استثناءات يجب التنبيه إليها. أما القياس فهو وإن أمكن في بعض المسائل فإن الواجب استعماله بحذر. ذلك "أن جل ما أُثبِت وجوده في هذه الصناعة إنما ثبت بطريق السماع والاستقراء". أما القياس فقد يستعمله "أهل هذه الصناعة فيما جهل سماعه، [وذلك] أنهم يقيسون المجهول على المعلوم، وهو ضعيف، وربما أفرطوا حتى يردون السماع بالقياس".

هذا من جهة. ومن جهة أخرى لا بد من التنبيه إلى أن الطريقة التي يريد ابن رشد اعتمادها في إعادة بناء قواعد النحو ومسائله ليست من ابتكاره، فهي كما يقول عنها مرارا: "الطريقة المشتركة لجميع الألسنة". يتعلق الأمر إذن بالمنهجية العلمية كما كانت في عصره والتي تقوم على الترتيب المنطقي والاستقراء العلمي. وقد سبق للفارابي، "المعلم الثاني"، أن ألف كتابا في "إحصاء العلوم" شرح فيه مسائل كل علم، بما في ذلك مسائل علم النحو، والكيفية التي تصنف بها والمنهج الذي تعالج بها، مستعيدا النموذج العام لـ"العلم" كما قرره الفلاسفة القدماء وخاصة منهم "المعلم الأول" أرسطو.

وإذا كان ابن رشد يعتمد هو الآخر هذا النموذج العام فإن هذا لا يعني أنه اكتفى بما ذكره الفارابي من عناصر هذا النموذج بل أضاف إليها أخرى، وقدم وأخر وعدل، مما يدل دلالة قاطعة على أنه لم يستنسخ النموذج الذي عرضه الفارابي استنساخا، بل الصحيح أن يقال إنه اطلع على ذات المصادر التي أخذ عنها الفارابي، هذا إضافة إلى أن عبارة "كما هو مشترك في جميع الألسنة" التي يكررها فيلسوف قرطبة توحي بأنه كان على بينة من نحو لغة أو لغات أخرى، مما يطرح من جديد ذلك السؤال الذي لم يفصل فيه بعد وهو: هل كان ابن رشد يعرف اللغة اليونانية؟

أما اللغة اللاتينية فقد كانت متداولة في الأندلس بكثرة. يقول ابن حزم مثلا، بصدد حروف السؤال: "إن السؤال بـ "ما" والسؤال بـ "أي" قد يستويان في اللغة العربية وينوب كل واحد من هذين اللفظين عن صاحبه ويقعان بمعنى واحد، ومن أحكم اللطينية (=اللاتينية) عرف الفرق بين المعنيين اللذين قصدنا في الاستفهام"، مما يدل على أنه كان يعرف اللاتينية. فليس من المستبعد إذن أن يكون ابن رشد قد تصدى لإعادة هيكلة النحو العربي ليس فقط بتأثير تكوينه الفلسفي المنطقي، بل أيضا بوحي من مقارنته بين النحو العربي والنحو في اللغة اللاتينية وربما اليونانية أيضا.

*********************

وضعت هذا المقال للمناقشة وليس معنى هذا موافقتى على جميع أفكار الكاتب ...

ولا يعني ذلك الدعوة إلى نبذ كتب النحو ومتونها وشروحها بل لمناقشة الأفكار الأخرى فالمهم في النهاية هو تقوية علمنا بلغة القرآن ونطقنا وعربيتنا السليمة.

*********************

الغرض من وضع المقال مناقشة فكرة ابن رشد أو ذكر تفصيلات لها ولا داعى للخروج عن الموضوع أو التعصب أو التكلم بدوافع يشوبها الانتماء لأحد المذاهب أو شهوة انتقاد أحدها!

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير