فإذا أنت أطلتَ النظرَ، وأدمنتَ الفِكرةَ في هذه الكتبِ التي عرضتُها لك. كلَّ ذلكَ تُردِّدها بصوتٍ مسموعٍ، وتتحسَّسُ معانيَها على وجوهِها، وتتقرَّاها يداكَ بلَمسٍ، فقد استوثقتَ من هذا البابِ بابِ الألفاظِ، وخرجتَ منه أبجرَ الحقيبةِ، فمِلْ إلى البابِ الذي بعدَه. وهو
،،، بابُ المعاني.
وفائدةُ هذا البابِ أنَّه يُمكِّنك من تجليةِ أفكارِك، وتوضيحِها، والاحتجاجِ لها، ويبسُطُ ذرعَك في تشقيقِ الكلام، ويَزيدُ في مادَّتك، ويقوِّي مقدرتك على حسنِ التذوقِ، ودِقَّة التأمُّلِ. ومن أمثلِ كتب المعاني كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة، والموازنة بين أبي تمَّام والبحتريِّ للآمديِّ ط سيد صقر وأُكمل بعده، والأشباه والنظائر للخالديَّين ط محمد يوسف، والوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني ت أبو الفضل إبراهيم، والمنصف لابن وكيع ت محمد الداية أو الطبعة التونسية، وديوان المعاني لأبي هلال العسكري دار الغرب.
فإذا لبثتَ زمانًا من دهرك تتقلَّبُ بين هذه الكتب، وتنفُذُ إلى ما فيها من المعاني، وتشاركُ مؤلِّفيها آراءَهم مؤيِّدًا، ومخالفًا، وتضمُّ المعنَى منها إلى شكلِه، والنظيرَ إلى نظيرِه، وتُحسِن المفاضلةَ بينها، فقد نِلتَ شطرًا كبيرًا من الفقهِ بالمعاني، والبصرِ بها.
،،، [كتب تقوي طرق الاحتجاج]
ويحسُن حين إذٍ أن تقرأ في الكتب التي تشدُّ أيدَك في البحثِ القاصدِ، والاستدلالِ الصائبِ، ودرك الحجةِ، وتحقيقِ المسائلِ، ونقدِها. ومنها كتابُ سيبويه بولاق ثم تحقيق عبد السلام هارون، ورسالة الشافعيِّ ت أحمد شاكر القديمة، وحيَوان الجاحظِ، ورسائله كلاهما ت عبد السلام هارون، وتفسير الطبريِّ ت محمود شاكر أو التركي، وخصائص ابن جنِّي ت النجار، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة لعبدِ القاهرِ الجرجانيِّ كلاهما ت محمود شاكر. ومن الكتب الحديثة كتاب على السفود للرافعيِّ، وكتابا محمود شاكر نمط صعب ونمط مخيف، وأباطيل وأسمار كلاهما ط المدني.
وبذلك تستكمِل آلةَ هذا الباب إن شاء الله.
،،، [كتب تقوي الملكة والأسلوب]
فأمَّا الكتبُ التي ترتاض بها على جودةِ الأسلوب، وعلى التصرُّف في فنون البلاغة، والتي تُزلِفُك إلى محاسنِ البيان، فأولُها كتابُ الله عزَّ وجلَّ، ثم نهج البلاغةِ المنسوب إلى علي رضي الله عنه ط محمد عبده، والقصائد السبع بشرح أبي بكرٍ الأنباريِّ ت عبد السلام هارون، والمفضليات بشرح أبي محمدٍ الأنباريِّ ط شارل ليال، وأشعار الستة الجاهليين بشرح البطليوسيِّ ط دار الريان، وديوان الحماسة ت عسيلان بأيِّ شرح شئتَ [المرزوقي ت عبدالسلام هارون]، والبيان والتبيين للجاحظ ت عبد السلام هارون، والكامل للمبرِّد ت الدالي، والأمالي لأبي عليٍّ القالي دار الكتب المصرية مجلدان مع اللآلي لأبي عبيدٍ البكريِّ بستميطِ الميمنيِّ صور مرارا، وزهر الآداب للحُصْريِّ ط زكي مبارك، ومقامات الحريريِّ بولاق.
ثمَّ هناكَ بعدُ كتبٌ أخرَى تُقسَّم بحسَب الغالب عليها إلى أقسامٍ مختلفةٍ.
فمنها ما تستفيدُ منه
،،، أسلوبَ الأدبِ، والحكمةِ، كالأدب الكبير، والأدب الصغير لابن المقفَّع كلاهما ط أحمد زكي باشا القديمة، وديوان أبي تمَّام ط المعارف بمصر، وديوان المتنبي ط عبد الوهاب عزام، وسقط الزّند ط صادر أو مع شروحه ط الهيئة العامة المصرية، واللزوميات لأبي العَلاء.
ومنها ما تستفيد منه
،،، أسلوبَ القصص، وسياقة الأخبار، ككليلة ودمنة لابن المقفع ط المعارف بمصر أو دار الشروق، والبخلاء للجاحظ ط علي الجارم أو ط المعارف بمصر، وكتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوريِّ، وتاريخ الطبريِّ ط المعارف بمصر، والأغاني لأبي الفرج الأصفهانيِّ ط دار الكتب المصرية ثم الشعب ثم صادر.
ومن كتب المحدَثين عبَرات المنفلوطيِّ، والروايات التي ترجَمَها، وقصص من التاريخ، وقصص من الحياة، والذكريات للطنطاويِّ.
ومنها ما تستفيد منه
،،، أسلوبَ المقالة، كنظرات المنفلوطيِّ، ووحي القلم للرافعيِّ، ووحي الرسالة للزيَّات.
أمَّا العملُ في كتب هذا الباب، فعلَى وجوهٍ مختلِفةٍ، فمن الفِقَرِ ما تكتفي بقراءته مرَّة واحدةً قراءةً متأنِّيةً متأمِّلة مع التفكُّر في أسلوبِ الكاتب، وطريقتِه في الانتقالِ من قضيَّة إلى قضيَّة، ومن غرضٍ إلى غرضٍ، والتدقيقِ في ألفاظِه التي يستعملُها في كلامِه، وتحفُّظِ الجيِّدِ منها. ومن الفِقَرِ ما تحتاجُ إلى أن تكِرَّ عليها، فتعيد قراءتها، لشرفِها، ونبلِها. وأنا أستحِبُّ لك أن تجهرَ بها، وتُفصِح في نطقِك لها مترويًّا متمهِّلاً، وأن تقرأها قراءةَ مدقِّقٍ، وقراءةَ منقِّرٍ، وقراءةَ مَن يحترسُ أن تنِدَّ عنه لطيفةٌ، أو تفوتَه نادرةٌ، وأن تقِفَ على معانيها، وألفاظِها (وقوفَ شحيحٍ ضاعَ في التُّربِ خاتمُه).
،،، [ما يحفظ]
ومن الكلامِ كلامٌ ينبغي حفظُه، أو حفظُ قدرٍ منه كالقصائد السبع، والمفضليات، والحماسة، تقدمت طبعاتها ولو أنَّ أحدًا حفظَهنَّ كلَّهنَّ، لم يكن ذلك كثيرًا، وكبعضِ الخُطَبِ، والحِكَمِ المبثوثةِ في ما سلفَ ذكِرُه من الكتب.
ومن الطُّرقِ الحُسنَى المجرَّبة أن تقرأ القطعةَ، وتفهم معناها، ثم تغلِق الكتاب، وتحاولَ أن تكتبها بأحسنِ ما تقدِر عليه من البيان، ثم تفتح الكتاب، فتقارن بين تعبيرك، وتعبير الكاتب. فإنَّك إذا فعلتَ ذلك، عرفتَ مواضعَ إحسانك، فلزِمتَها، ومواطنَ إخفاقِك، فتجنبتَها. و (بضدِّه يتبيَّن الضِدُّ). وطريقةٌ أخرَى، وهي أن تسجِّلَ ما يُعجِبُك من الكلامِ البليغِ بمسجِّل الصوت، ثمَّ تأخذ في الاستماع إليه رائحًا غاديًا حتى تطمئِنَّ إلى أنكَ قد حفظتَه، أو كدتَّ.
،،، [كتب جامعة]
وبعد، فإن شئتَ أن تستعرِضَ الكتبَ التي قصدَ أصحابُها إلى جمعِ ما لا بُدَّ للمتأدِّبِ من معرفتِه، كأدب الكاتب لابن قتيبة ط الدالي مع شرحِه الاقتضابِ للبطليوسيِّ ط السقا، والعمدة لابن رشيق ط الخانجي، والمثل السائر لابن الأثير ت الحوفي الأولى أو نهضة مصر، والوسيلة الأدبية للمرصفيِّ يوجد مصور، فقد بلغتَ الغايةَ، وأبعدَ من الغايةِ.
أ-هـ
أبو العباس
http://www.ahlalloghah.com/showpost.php?p=12550&postcount=4
¥