ونبه المصنف بقوله وقبل حال على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدت مسد الخبر كما تقدم تقريره واحترز بقوله لا يكون خبرا عن الحال التي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور نحو ما حكى الأخفش رحمه الله من قولهم زيد قائما فزيد مبتدأ والخبر محذوف والتقدير ثبت قائما وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا فتقول زيد قائم فلا يكون الخبر واجب الحذف بخلاف ضربي العبد مسيئا فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذي قبلها فلا تقول ضربي العبد مسيء لأن الضرب لا يوصف بأنه مسيء.
والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر نحو أتم تبييني الحق منوطا بالحكم فأتم مبتدأ وتبييني مضاف إليه والحق مفعول لتبييني ومنوطا حال سدت مسد خبر أتم والتقدير أتم تبييني الحق إذا كان أو إذ كان منوطا بالحكم".
وعلى هذا الطرح أستنتج أن إعراب سيرا يكون حالا سد مسد الخبر بتقدير "زيد أتى سيرا" لأنه لا يصلح أن يكون خبرا بعكس زيد قائما كما تقدم من كلام ابن عقيل.
ومما يؤكد ذلك قول ابن عقيل في الحال:
" والحال قد يحذف ما فيها عمل ... وبعض ما يحذف ذكره حظل
يحذف عامل الحال جوازا أو وجوبا. فمثال ما حذف جوازا أن يقال كيف جئت فتقول راكبا تقديره جئت راكبا وكقولك بلى مسرعا لمن قال لك لم تسر والتقدير بلى سرت مسرعا ومنه قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} التقدير والله أعلم بلى نجمعها قادرين.
ومثال ما حذف وجوبا قولك زيد أخوك عطوفا ونحوه من الحال المؤكدة لمضمون الجملة وقد تقدم ذلك وكالحال النائبة مناب الخبر نحو:
ضربي زيدا قائما التقدير إذا كان قائما وقد سبق تقرير ذلك في باب المبتدأ والخبر.
وهنا أمران نحب أن ننبهك إليهما: الاول: أن عامل الحال على ثلاثة أنواع: نوع يجب ذكره ولا يجوز حذفه، ونوع يجب حذفه ولا يجوز ذكره، ونوع يجوز لك ذكره ويجوز لك حذفه.
فأما النوع الذي يجب ذكره ولا يجوز حذفه فهو العامل المعنوي كالظرف واسم الاشارة، فلا يحذف شئ من هذه العوامل، سواء أعلمت أم لم تعلم، لان العامل المعنوي ضعيف، فلا يقوى على أن يعمل وهو محذوف.
وأما النوع الذي يجب حذفه فقد بين الشارح ثلاثة مواضع من مواضعه وهي الحال المؤكدة لمضمون جملة، والحال النائبة مناب الخبر، والحال الدالة على
زيادة أو نقص بتدريج وبقي موضعان آخران، أولهما: أن ينوب عنه الحال كقولك لمن شرب: هنيئا، ومن ذلك قول كثير: هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت وثانيهما: أن تدل الحال على توبيخ، كقولك: أقاعدا وقد جد الناس؟ ".
هذا والله _ تعالى _ أعلم
والحمد لله رب العالمين
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[22 - 05 - 10, 04:18 م]ـ
هذا ما ظننتُ أنك ستقوله يا أخي الكريم، وهو خطأ واضح لا ينبغي الوقوع فيه.
وإليك بيان ما كنت أبهمتُه فيما سبق:
الموضع الرابع من مواضع حذف الخبر ليس له علاقة بمسألتنا لسببين: الأول .... الثاني .... (ابتسامة).
السب الأول: أن شرط هذا الإعراب أن يكون المبتدأ مصدرا و (زيد) ليس كذلك، وأنت بنفسك قد نقلت هذا الشرط عن ابن عقيل في الموضع الذي استندت إليه!!
السبب الثاني: أن (سيرا) لا يصح إعرابها حالا هنا؛ لأنه لا يوجد في الكلام ما يصح تعليقها به، وتقديرك (زيد أتى سيرا) تقدير واضح البطلان؛ لأن التقدير الصحيح لا بد أن يكون في الكلام ما يدل عليه، ولا يوجد في الجملة ما يفيد تقدير الفعل (أتى).
ولا يصح أن تقول: إن (أتى) بمعنى (سار) فيصح تقديرها؛ لأن هذا لو كان صحيحا لوجب إعرابها مفعولا مطلقا لا حالا؛ كما لو قلت: (زيد سار سيرا).
وكذلك فإن (سيرا) مصدر، والحال لا بد أن يكون وصفا، فإن أتى مصدرا كما قال ابن مالك:
ومصدر منكر حالا يقع ........... بكثرة كبغتة زيد طلع
فقد نص العلماء على أن هذا مقصور على السماع، هذا على قول القائلين بأن (بغتة) في هذه العبارة حال أصلا، ولكن الأخفش ومن وافقه من الكوفيين يجعلونه مصدرا على بابه.
فعلى جميع الأقوال لا يصح هنا جعل (سيرا) حالا.
وأما قولك:
(والسؤال هنا بأنه إذا جاز الحذف والإثبات وبقيت مفعولا مطلقا فما الداعي للتكرار؟)
فهو يدل على أنك لم تتأمل هذا الموضع؛ لأن الحذف والإثبات إنما يجوزان مع عدم التكرار، أما مع التكرار فالحذف واجب، وهذا واضح في كلام ابن عقيل.
وكذلك فاستشكالك هذا مشترك الإلزام؛ لأنه وارد على تقديرك أيضا، فما كان جوابا لك كان جوابا لابن عقيل.
ثم لو سلمنا أن هذا الإشكال وارد، فلا يجوز لنا كلما عرض لنا إشكال أن نغلط العلماء ونأتي بالأوجه التي لم يقلها أحد من أهل العلم؛ من أجل حل إشكال في أذهاننا فقط لا وجود له في الواقع، وطالب العلم مطالب أولا أن يتأمل كلام أهل العلم قبل أن يحاول الاستدراك عليهم وتخطئتهم؛ لأن التجربة أثبتت أن معظم الاستشكالات التي تعرض للطالب تكون بسبب سوء فهمه لا بسبب غلط العلماء.
والله الموفق.
¥