وهذه الآيات تذكير لكل من يعي الخطاب، ويفهم الوعظ الجميل بأن يتخلى عن كبريائه، ويتنازل عن صلفه وغروره، وإلا فإنّ بطش الرب تعالى غير محتمل، وقد ذكر الله في ختام السورة مثالاً لما جرى للفراعنة وثمود، أما التفصيل ففي مواضع أُخر من الكتاب العزيز.
إذاً مهما أوتي البشر من قوة وقدرة على الإهلاك والتدمير والتعذيب فذاك مغمور أمام قدرة الله وبطشه المخيف المزلزل للقلوب والحناجر بل للأمم والممالك!
ومن أراد أن يتأكد فليتأمل ما جرى لفرعون وقومه من الاستدراج إلى البحار ثم الإغراق المذهل!.
وليتأمل ما الذي جرى لثمود حين أخذت الرجفة بمجامع قلوبهم فأسقطتها في أجوافهم.
وليتأمل ما جرى لعاد من تسليط الريح العقيم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فأصبحوا أعجاز نخل خاوية.
وليتأمل ما جرى للقرى اللوطية حين رفعت قراهم إلى عنان السماء ثم نكست رأساً على عقب واتبعت بحجارة من سجيل!
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) أي هو قادر سبحانه على الخلق ابتداءً, والإعادة بعد الموت, وإذا كان الأمر كذلك فأي داع للاستهانة بقدرة الله, والتكذيب بالبعث والنشور, أو الجزاء والحساب؟!.
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ): أي متصف بكثرة المغفرة لكل من تاب وأناب, وهذا من واسع جوده، وعظيم كرمه بخلاف الآدمي فإنه وإن غفر لأخيه خطأه وعفا عنه فإنه لا يحتفظ له بكبير مودة!
(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) أي: صاحب العرش الذي هو أكبر المخلوقات وأعظمها فما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا حلقة في فلاة وما الكرسي عند العرش إلا كذلك، ومع هذا فالعرش مخلوق لله مملوك له سبحانه!
وقد وصف الله تعالى عرشه بالكرم والعظمة والمجد في ثلاث آيات من كتابه الكريم.
(فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ:) وهذه صفة عظيمة لله تعالى دالة على كمال قدرته وتمام تصرفه فهو تعالى فعال لكل شيء يريده؛ فأمره بين الكاف والنون وهذه مفعولاته سبحانه لا يحصيها إلا هو ولا يحيط بها علماً سواه.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ {17} فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ {18} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ {20} بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ).
وقد تقدم قبل قليل ذكر ما جرى لجنود فرعون وثمود وفي قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ): إشارة إلى عدم انتفاع هؤلاء الكفار بما جرى لأسلافهم من الخزي والنكال إذ لا زالوا سادرين في غيهم، تائهين في صحراء غرورهم!
وقد تقدم ذكر شيء من صلف الأمريكان، والروس ويهود وغيرهم الذين ما برحوا في سوم الشعوب المسلمة قصفاً وتقتيلاً وتشريداً!
ولكن جاء قوله تعالى: (وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ) عقب ذلك مباشرة حتى لا يصاب حزب الله وأنصار دينه بإحباط أو يأس, ويوقنوا بأنّ كيد هؤلاء ومكرهم مقدور عليه محاط بإرادة وقوة لا تغلب ولاتقهر!.
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ).
وآخر مطاف هذه السورة أنْ ختمها تعالى بالتذكير بالقرآن العظيم الذي من أجله حورب المسلمون, ولأجله حقد الحاقدون, وشنأ الشائنون بيد أنّ ذلك كله لا ينبغي أن يكون مانعاً للمسلمين أن يستمروا على طريقتهم ويتشبثوا بعقيدتهم فإنّ الله ناصرهم ومؤيدهم ومظهرهم على عدوهم.
ومهما تخلى المسلمون عن القرآن وأزاحوه عن العمل والتطبيق، وعن حياتهم الدستورية والاجتماعية وغيرها فلن يفرحوا بوئام العدو ومحبته، أو على الأقل مهادنته وحياده!
ومصداقية ذلك أنّ مجرد الهوية المسلمة التي يحملها المسلمون كافية لإثارة كوامن أحقاده, وبعث خبيث لؤمه وبغضه.
وهي حقيقة جلّاها القرآن بقول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} البقرة (120)
لذا لا مناص من الأخذ بهذا القرآن بكل عزيمة وقوة وجد فهو خيار الأمة الوحيد وحينذاك لن ينال منها عدوها ما تقر به عينه أو يُشفى به صدره!!.
(فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)
واللوح المحفوظ هو الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء بما فيه تنزيل هذا القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين وهذا معنى ((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) فالقرآن قد يكون مكتوباً بأكمله في اللوح المحفوظ، وقد يكون المكتوب ذكره فقط.
واللوح المحفوظ – بحفظ الله – مصون عن الزيادة والنقص والتحريف والتغيير وهذا من تمام شرف هذا اللوح وكماله ,والله أعلم وأحكم.
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[17 - 12 - 08, 07:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
ـ[الحسن محمد حسن]ــــــــ[21 - 12 - 08, 12:45 ص]ـ
تتميم:
وقرأ عامة القراء الا نافعا بخفض ظاء (محفوظ) وقرأ نافع بالرفع
الحسن بن محمد بن حسن السكندرى
¥