تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(يا بُنَيَّ)، هذه طفولتي، أريد من يحنو عليَّ بها حنو الأم على صغيرها الذي هو كل أشواقها الرقيقة من قلب نبيل رقيق، (يا بُنَيَّ)، هذه طفولتي، أريد من يمسح بها أحزاني التي حيَّرت بصري؛ لأعرف من بعدُ طريقَ رجولتي التي تريد أن تعمل، وأن تسير، وأن تصل إلى سر أشواقها البعيدة الجميلة، (يا بُنَيَّ،)، هذه طفولتي، أريد من يعرف أني طفل وديع حين أؤوب من كدِّي وكدحي، فيتلقَّاني بين ذراعيه إلى قلبه لأشعر بحنان من الروح يطفئُ غلَّتي، ويرسل في أعصابي ريَّها من الحب، الحب الذي هو فجر الحياة بنعومته ورقَّته وطُهْره، الحب الذي يردُّ القلبَ المكدود الظامئ زهرةً تتفتح في جو من النور والندى والشباب، (يا بُنَيَّ)، من يقولها لي يضع في نَبْض أحرفها نبض الحب.

أين أنت أيها الحبيب؟! كنتَ أخي وصديقي، ومن أستودعه سر قلبي المعذب في تنُّور الحياة الموحشة، التي يضطرم جوها بالصمت المتوهج، والوحدة المستعرة، كنت أخي وصديقي، وأنا أبيد كما تبيد الأيام والليالي في كهوف الحياة الدنيا، كنت أخي وصديقي، وعواطفي تزأر وتجأر في باطني كأنها وحش جريح، متألم ثائر، لا يرى مَن جَرحه لينتقم، فالآن وقد جدَّدتِ الدنيا أساليبَ تعذيبي عذابًا ضِعفًا من الآلام، الآن وقد أوجدتني الحياة ما أريده، ثم وضعت بيني وبينه سدًّا يصف ما وراءه من أشواقي، ويقف دوني فلا أنفذ منه، الآن وأنا أشتغل وأتفانى من جميع نواحيَّ، الآن وأنا أتوثب في قيود مرخاة تمنحني الحركة، وتمنعني دون الغاية، الآن وأنا أمزق جو حياتي بزئيري وأنيابي ومخالبي، وأُحرقه بوجدي ولوعتي واشتياقي.

الآن أين أنت أيها الحبيب؟! يا أخي وصديقي.

انظر إليّ - أيها الحبيب - من وراء هذا الأسوار المنيعة التي تفصل بين الحياة والموت، الأسوار التي تمشي إليها الحياةُ كلها ساعةً بعد ساعة دائبةً ماضية لا تقف، فإذا بلغتها ابتلعتها من حيث لا تشعر ولا تتوقَّعُ، انظر إليَّ - أيها الحبيب - وتكلَّم بكلامٍ من شعاع مضيء حيٍّ يُفهمُني حقيقتي الحية، ويضيء لعيني هذه الظلمات التي تعترك بين يدي في مدِّ عيني، انظر إليَّ - أيها الحبيب - واسكُبْ في قلبي ورُوعي حقيقة الإيمان الحيِّ الذي لا يموت، انظرْ إليَّ واصحبْني، فأنا الذي لا يصاحبُ الأحياء من الناس؛ لأنهم لا يعرفون معنى الحياة إلا فائدة تلد فائدة، كما يلد بعضهم بعضًا في مَشيمَة من الكره والعنتِ وآلام المخاض، وأمشَاجٍ من الدم يشْخَب من حولها، ويتضرَّجُ ويقيحُ بعضُه في بعض.

ولكن، ولكن ما أكذب النَّفسَ على النفْس! أنتَ هناك بحقيقتك الخالدة التي تحيا بأمر الله في جو السماء، وأنا هنا بحقيقتي الفانية التي تموت يومًا بعد يوم بأمر الله في جو هذه الأرض، أنتَ هناكَ وأنا هنا، وبينهما البرزخ الذي لا تجوزه الروحُ إلا بعد أن تتطهر من أدران هذا الدم المتجسِّد في أجلاد الإنسان، أنت هناك وأنا هنا، فكيف أنخلعُ من ثَوْرَتي التي أنا بها هنا؟! كيف أنخلع من جسدي؟! ومع ذلك:

"ففي القلب تعيشُ الأرواح الحبيبة الخالدة التي لا تفنى، وفي القلب تُحْفَر القُبُور العزيزة التي لا تُنسى، لم أفقِدْك - أيها الحبيب - ولكني فَقدتُ نفسي".

- - -

ما أشد صدق هذه الكلمات!

حرها كأنه لفحة من لفحات النار التي اضطرمت في ذلك القلب الملوّع المكلوم.

رحم الله الأديبين، ومنّ على أمتنا بمن يسعى سعيهما.

ـ[أبوفؤادالديداري]ــــــــ[20 - 06 - 10, 12:09 ص]ـ

من فضلكم

أفيدونا بالإخبار عن مؤلفات العلامة محمودشاكر, ومن أي مكتبة طبع معظمها ..

شكرا

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير