تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرّأي جثّةٌ هامدةٌ , لا حياة لها مالم تنفخ فيها العقيدة من روحها , و الرّأي كهفٌ مُظلمٌ لا ينير حتى تُلقي عليه العقيدة من أشعّتها , و الرّأي مستنقعٌ راكدٌ يبيض فوقه البعوض , و العقيدة بحرٌ زاخرٌ لا يسمح للهوام الضيعة أن تتولّد على سطحه , و الرّأي سديمٌ يتكون, و العقيدة نجمٌ يتألّق.

ذو الرّأي يخضع للظّالم و القوي , لأنه يرى للظّالم والقوي رأياً كرأيه , و لكن ذا العقيدة يأبى الضّيم و يمقت الظّلم , لأنه يؤمن أنّ ما يعتقده من عدلٍ و إباءٍ هو الحق , و لا حق غيره.

مِن العقيدة ينبثق نورٌ باطنيّ يُضيء جوانب النّفس , و يبعث فيها القوّة و الحياة , يسْتعذِبُ صاحبها العذاب , و يستصغرُ العظائم , و يستخفُّ بالأهوال , و ما المصلحون الصّادقون في كلّ أمّةٍ إلا أصحاب العقائد فيها.

الرّأي يخلق المتاعب , و يضع العقبات , و يصغي لأماني الجسد , و يثير الشّبهات , ويبعث على التّردد , و العقيدة تقتحم الأخطار , و تزلزل الجبال , و تلفت وجه الدّهر , و تغيّر سير التّاريخ , و تنسف الشّك و التّردد , و تبعث الحزم واليقين , و لا تسمح إلا لمراد الرّوح.

ليس ينقص الشّرق لنهوضه رأيٌ , و لكن تنقصه العقيدة , فلو مُنحَ الشّرق عظماءً يعتقيدون ما يقولون لتغيّر وجهه و حالُ حاله , و أصبح شيئاً آخر.

و بعد؛ فهل حرم الإيمان مهبط الإيمان؟. اهـ (3)

قال كاتب هذه السّطور - كان الله في عونه -: كنتُ و لا أزال شديد الحنق و الغضب حينما أسمع ثرثرة المُتعالمين , المتكلمين في أمر الدّين بلا حجة و لا برهان مبين , و كنت أجد في نفسي حسرة على الإسلام , كيف هان على النّاس حتى صار الطّاعن في أصله أديبٌ مبدعٌ , و المُتعرّض لرموزه مثقّفٌ مُفزعٌ , و كأنّه لم يكن قط دين الأماجد , وشريعة يحكم بها عظماء الملوك , و علمٌ تُسوّد فيه المجلّدات العظام , التي تقطع أكباد الإبل في تحصيلها , و قراءتها على أهلها.

و كنت أظنّ إني في العالم وحيداً , أو أنّ بي علةٌ توجب ما أجد , حتّى قرأتُ كلام الأديب أعلاه , على ما فيه من هنّات , شعرتُ بأنه يخاطبني , و يقارنُ بيني و بين أعدائي , و كأنه يقول: غضبك قرينة صدقك في اعتقادك , فلو لم تكن صادقاً , لما ضرّك قول الخائضين في غير ما يحسنون , و لا همّك تخرّص الكاذبين في رد ما لا يشتهون , و لأنهم لا يعتقدون بما لا يقولون , لم يضرهم رد الرّادين , و لا تتبّع الذّابين عن حياض الدين , فحاصل الأمر عندهم رأيٌ مجرد , و توقعٌ عارٍ عن حقيقة , و افتراضٍ خالٍ عن بحث منصف.


(1): ضعّفه الشّيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (2/ 310).
(2): اجتهدتُ في طلب مخرجه و حكمه فلم اظفر به.
(3): فيض الخاطر لأحمد أمين , مكتبة النّهضة المصرية , ط 6 عام 1973م , جـ 1 , صـ 1 - 3.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير