تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البيت مصرَّع، وهو ما غُيِّرت عروضه (آخر جزء من الصدر) للإلحاق بضربه (آخر جزء من العجز) بزيادة أو نقصان.

وقد حقَّقَ التصريع لونًا من التعادل والتوازن بين إيقاع شطري البيت.

وتعبِّر المدَّاتُ المتوالية صوتيًّا عن الشجن والحزن الذي يعيشُ الشاعر تجربته ..

وتمثل الجملة الاعتراضية (إذا ما تمَّ) بؤرةَ التركيبِ اللغويِّ ومحورَه، فإذا وازنت بين المعنى مع تلك الجملة والمعنى بدونها سيتبيَّن دورها في بناء المعنى وتوجيهه. تأمَّل ذلك:

لكل شيء - إذا ما تمَّ - نقصان ? لكل شيء نقصان

فلا يغرّ - بطيب العيش - إنسان ? فلا يغرّ إنسان

وإذا وازنّا بين صيغة (نقصان) و (نقص)، و (إنسان) و (إنْس)، نجد أن الألف والنون أعطت اللفظتين امتدادًا صوتيًّا ودلاليًّا يتراكب مع تجربة الشاعر، ومع جوّ الحزن والشَّجن الذي ينتظمها.

(فلا يغرُّ) استخدم الشاعر المضارع المنفي بـ (لا) المبني لما لم يسمَّ فاعله في موضع الأصل فيه النهي (لا تغتر)، وهو نفي يتضمن معنى النهي.

ووقوع النكرة (نقصان) في جملة مثبتة يدل على التخصيص، أي: نقصان ما أو شيء من النقصان.

أما دلالة (إنسان) في الجملة المنفية فتشمل العموم، فهي بمعنى: كل إنسان.

وقوله: «لكل شيء إذا ما تمَّ نقصان» يتضمن معنًى ما يتصلُ بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة 3) حيث بكى عمرُ - رضي الله عنه -، وسُئل عن ذلك فقال: يبكيني أنَّا كنا في زيادة ديننا فأمَّا إذا كَمُلَ فإنه لم يَكْمُل شيء إلا نقص. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صدقت».

وفي البيت تذكير للمسلمين بالعصر الذهبي للإسلام وبحجة الوداع في ظروف مأساة المسلمين بالأندلس، فإذا كان قد أصبح المسلمون على هذه الحال وهم من هم مجدًا وسؤددًا وطيبَ عَيْشٍ، فإنَّ من البديهي ألَّا يُغرّ بطيب العيش - كُلَّ طِيْبِ عيش - إنسانُ، كلُّ إنسان.

2 - هي الأمور - كما شاهدتها - دول ## من سرَّه زمنٌ ساءته أزمان

الضمير (هي) يعود على مقدّر يتصل بما يتضمنه البيت السابق من معنى، وهي هنا قريبة المعنى من (هذه)؛ لأنها تشير إلى أمور سابقة.

فكأنه يقول: هذه هي الدنيا والدول، تكتمل الدولة ثم تزول، وتأتي أخرى تكتمل ثم تزول، فمن سرَّه زمن من هذه الأزمان ستسوؤه أزمان كثيرة.

والخطاب في (شاهدتَ) مُوَجَّهٌ للعموم وليس لمخاطَب معيَّن.

وتمثل الجملة الاعتراضية (كما شاهدتها) أساس التركيب، فلو قلنا: هي الأمور دول لكان المعنى ناقصًا في المُخَيِّلة، ولم يكن مثل الإثبات بدليل المُعَاينة والمُعاصرة.

وتكشف عن أن العبرة والحكمة التي تتضمنها الأبيات كانت مشاهدة ومعاينة لأحداث الأمم.

و (هي الأمور) مبتدأ وخبر، وتعريف الخبر يفيد نوعًا من القصر. وتكون (دول) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: (هي).

و (دول): الدولة هي انقلاب الزمان، والعُقْبَة (أي: الخَلَف) في المال، فهي قرينة التغيير، ويكون التغيّر من الأحسن إلى عكسه، ومن التمام إلى النقصان.

وجملة الشرط (مَنْ سرَّه) متصلة بما قبلها، حيث قَيَّدتْ جملةَ (كما شاهدتها)، وهي تفسير وتبيين وتعليل لها.

فالتفسير يتعلق بسؤال مقدَّر تقديره: كيف؟

والتعليل بسؤال تقديره: لماذا؟

ومن هنا فإنَّ قوله: «من سرَّه زمن ساءته أزمان» جاءت مفسرةً معنى أن «الأمور

دول»، ومبرهِنةً عليه، فهي دول متعاقبة، بمعنى أنَّ من سرَّه زمن ساءته أزمان.

وبين جملتي الشرط (من سره زمن) والجواب (ساءته أزمان) تقابل جاء من التضاد بين (سرَّ) و (ساء)، والتقابل بين (زمن) والجمع (أزمان).

والتركيب يُغَلِّب جانب الحزن على جانب السرور؛ لاستعماله الجمع (أزمان) قرينًا للإساءة، والمفرد (زمن) قرينًا للسرور.

وتعكس المدَّات والحركات في (ساءته. أزمان) إحساسًا بالشجن والحزن.

ويتراكب صوت النون في (أزمان) مع ذلك الإحساس ويعمِّقه.

3 - وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ ## ولا يدوم على حالٍ لها شانُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير