و أما روايات المجموعة الثالثة – التي ذكرت أن عليا سارع إلى البيعة- فأولها رواية الطبري و إسنادها لا يصح لأن من رجاله: سيف بن عمر التميمي،و هو ضعيف متروك الحديث، قيل عنه: فِلس خير منه. و أما متنها ففيه أن عليا خرج مسرعا لبيعة أبي بكر، و هذا ترده الرواية الصحيحة التي ذكرت أن عليا و الزبير تباطآ بعش الشيء في بيعته ثم لما استدعاهما بايعاه.
و الرواية الثانية إسنادها صحيح، قال عنه الحافظ ابن كثير: و هذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة بن مالك عن أبي سعيد الخدري.و أما متنها فلا علة فيه و لا شذوذ، و فيه تصريح بأن أبا بكر لما لم ير عليا و الزبير في البيعة العامة استدعاهما،فحضرا و بايعاه طواعية.و قد قال أبو بكر بن خزيمة عن هذه الرواية ((جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث –أي هذه الرواية- فكتبته له في رقعة و قرأت عليه؛ فقال: هذا الحديث يساوي بدنة-أي ناقة- فقلتُ: يسوي بدنة، بل يسوي بدرة – كيس من الدراهم-)).
و الرواية الثالثة -من المجموعة الثالثة – إسنادها لا يصح، لأن من رجاله: سيف بن عمر التميمي،و الوليد بن عبد الله بن أبي ظبية البجلي، الأول ضعيف و يروي عن المجهولين،و الثاني مجهول.و أما متنها فهو يخالف الرواية الصحيحة السابقة الذكر، و التي ذكرت أن عليا و الزبير تباطآ بعض الشيء، فأرسل إليهما أبو بكر فحضرا و بايعاه.
و أما روايات المجموعة الرابعة- التي ذكرت أن عليا تأخر عن البيعة 6 أشهر- فأولها رواية المؤرخ اليعقوبي، فهي غير صحيحة، لأنه رواها بلا إسناد،و لأن متنها مُنكر و مُستبعد جدا، و تخالفه الرواية الصحيحة في بيعة علي لأبي بكر في البيعة العامة بدون إكراه.
و الرواية الثانية هي الأخرى لا تصح، لأن المؤرخ المسعودي رواها بلا إسناد،و لأن متنها ترده الرواية الصحيحة في بيعة علي لأبي بكر في البيعة العامة، و لأن لعلي أقوال صحيحة في صحة خلافة أبي بكر و اعترافه بها سنذكرها قريبا.
و الرواية الثالثة إسنادها لا يصح، لأن من رجاله: أبو عون عمرو بن تميم الأنصاري،و عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، الأول مجهول،و الثاني مذكور في الضعفاء.و أما متنها فهو لا يصح أيضا، لشذوذه و مخالفته لصحيح الأخبار، لأنه أولا نص على أن عليا أدعى أنه صاحب الحق في الخلافة،و أن أبا بكر أخذها منه ظلما و عدوانا،و هذا زعم باطل تخالفه نصوص القرآن الكريم و السنة النبوية،و الصحيح من التاريخ و أقوال علي بن أبي طالب.
و ثانيا أن هذه الرواية فيها إهانة كبيرة لعلي بن أبي طالب، فهل يُعقل أن صحابيا جليلا مثله، يخرج بزوجته ليلا إلى الأنصار، يستنصرهم بها على أبي بكر؟! و أليس من العار و من الجبن و من النذالة و من الكذب و البهتان أن يُروى أن عليا خرج بزوجته يستجدي بها،و أنه ذهب إلى قبر الرسول-عليه الصلاة و السلام- و هو يصيح و يبكي؟! و لماذا ترك بني عمومته من بني العباس و بني أمية و ذهب إلى الأنصار الذين بايعوا أبا بكر، ليطلب منهم المساعدة؟. و مما ينقض ذلك الزعم أنه قد صحّ الخبر أنه لما بُويع أبو بكر بالخلافة جاء أبو سفيان إلي علي و حّرضه على أبي بكر فأبى عليه و زجره.
و ثالثا أن في هذه الرواية تناقضا، و ذلك أنها زعمت أن عليا اتهم الصحابة بظلمه،و أنه خرج بزوجته يستجدي بها،و أنه كان يصيح و يبكي و يشتكي، ثم أنها تذكر في الأخير أنه –أي علي- بايعا أبا بكر بعد 6 أشهر، و أنه قال له: ((و الله لا نقيلك و لا نستقيلك أبدا، قدمك رسول الله-صلى الله عليه و سلم- لتوحيد ديننا، من ذا الذي يؤخرك لتوجيه ديننا؟))؛ فإذا كان هذا هو موقفه من أبي بكر و خلافته، فلماذا كل ذلك الإنكار و الامتناع، و الصراخ و البكاء،و العناد و الاتهامات،و الاستجداء لطلب الأعوان؟!. ألا يدل ذلك على أن الرواية برمتها محض افتراء و بهتان؟.
و أما الرواية الرابعة – من المجموعة الرابعة- التي رواها البخاري و مسلم و نصّت على أن علي بن أبي طالب لم يبايع أبا بكر إلا بعد 6 أشهر، فهي رواية صحيحة الإسناد، لكن متنها يخالف الرواية الصحيحة- الثانية من المجموعة الثالثة- التي نصت على أن عليا بايع أبا بكر يوم البيعة العامة، لذا فلابد من إزالة هذا الإشكال للجمع بين الروايتين.
¥