تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما ان اباه داودعليه السلام قد جعل اورشليم) يبوس (عاصمة ملكه لأنها لم تكن تنتمي الى أي سبط من أسباط بني اسرائيل (9)، بل دخلها وسكن مع أهلها اليبوسيين أصحاب الأرض (10)، وقال في سفر يشوع:» وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا) ومنهم داود (على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم الى هذا اليوم (11)». وقد اشترى داودعليه السلام قطعة الأرض التي يفترض بناء الهيكل عليها من اليبوسيين بالمال ودفع ثمنها لهم (12).

هيكل سليمان:

يتضح مما سبق ان الهيكل على فرض وجوده، ليس له أي علاقة باليهود، ولا هم ورثته، لأنهم لا ينتسبون الى يعقوب عليه السلام برابطة النسب، وانما هم خليط من الأمم الإسرائيلية والمتهودة، والأرض الموعودة في التوراة لنسل ابراهيم عليه السلام لا لليهود، كما انه مركز لعبادة الله تعالى، وليس قصر امارة، ولهذا وقع التعبير عنه في التوراة بأنه هيكل الرب وما أشبه ذلك.

الا ان أساس وجوده محل شك وريب لدى الباحثين، فمنذ نشأة علم الاثار وحتى اليوم، والباحثون لم يتركوا بقعة في أرض فلسطين مما يعرف بأرض يهوذا الا ونقبوا فيها بحثاً عن اثار الهيكل المزعوم، ولم يصلوا الى نتيجة، رغم وصولهم الى اثار مدينة يبوس، فقد ظهرت اثار سابقة ولاحقة لعهد سليمان عليه السلام ولم يظهر له أي أثر (13)، ولا أي أثر من اثار الحضارة السليمانية الموهومة (14)، كما لم يرد أي ذكر لمملكة سليمان في السجلات المصرية والأشورية (15).

وهذا ما اوقع الباحثين في حيرة من أمرهم، فبالغ بعضهم في انكار وجود مملكة سليمان، بل سرى الشك الى أصل وجوده عليه السلام، فنسبه بعضهم الى انه رجل اشوري نسبه اليهود الى انفسهم (16)، أو ان مملكته كانت مجرد محمية مصرية لا حول لها ولا قوة (17).

وذهب بعضهم الى التفتيش عن جغرافيا الحدث التوراتي خارج حدود فلسطين، عندما لم يجد ما يثبت وجود الاثار فيها، دون الاستناد الى الحقائق العلمية، بل بالتلاعب بتراكيب الأسماء وقلب حروفها، كما فعل الدكتور كمال الصليبي.

ولم يرد أي ذكر للهيكل المزعوم في النصوص الإسلامية، خصوصاً القران الكريم، رغم أنه تعرض بالاشارة الى الكثير من فضائل سليمان وأعماله، مما لم يرد في التوراة، إلا انه قد وردت كلمة» صرح «في قوله تعالى:» قيل لها ادخلي الصرح ... «في قضية لقائه عليه السلام بملكة سبأ، وهي لا تدل على الهيكل قطعاً، فان من معاني الصرح: القصر والأرض المنبسطة غير المسقوفة.

وانه عليه السلام:» كان مع ما فيه من الملك يلبس الشعر، وإذا جن الليل شد يديه الى عنقه فلا يزال قائماً حتى يصبح باكياً، وكان قوته سفائف الخوص يعملها بيده، وانما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر (19)».

وهذا ما لا يتناسب مع مظاهر العظمة، والانشغال بمباهج الدنيا وبهارجها وحطامها، مما ينشغل به الملوك الدنيويون.

وعلى هذا الأساس يكون ملكه عليه السلام مغايراً للملك المعهود بين الناس من المظاهر الدنيوية، ولذلك كان جنوده من الجن والإنس والطير والريح وغير ذلك، مما لا تطاله يد الإنسان بحسب العادة. وهو ما أدركته ملكة سبأ حين جاءتها رسالته فقالت لقومها:» ان الملوك إذا دخلوا قرية جعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون «فأرسلت هديتها لاختباره، وامتنع عن قبولها في اعلان واضح ان دعوته ليست للفتح وجمع الكنوز والأموال،» قال أتمدونني بمال فما اتاني الله خير مما اتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون «، ولما ظهرت لها حقيقة أمره» قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين (20).

وبهذا تكون قد استجيبت دعوته عليه السلام حين دعا الله تعالى بقوله:» رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي «(21)، ولو كان المراد بالملك ما هو المتعارف لما كانت الدعوة مستجابة فعلاً، لإمكان ان تكون كثير من الممالك والدول أوسع وأكبر وأقوى من دولته ومملكته بحسب المقاييس المادية.

وهكذا تسقط الرواية التوراتية في هيكل سليمان المزعوم، كما سقط الكثير من رواياتها غيره، ويجب البحث عن معالم دولة سليمان عليه السلام بمقاييس أخرى غير المقاييس المادية المتعارفة، ويكون البحث عن اثار حضارية ومعمارية، ومن بينها البحث عن الهيكل المزعوم بحثاً عن سراب لا واقع له ولا حقيقة، بعد عدم ورود أي ذكر له في غير التوراة.

(1) سفر التكوين 18/ 15.

(2) يلاحظ تراجمهم من قاموس الكتاب المقدس.

(3) سفر التكوين 16/ 18.

(4) سفر التثنية 26 - 19/ 32.

(5) سفر عزرا 7 - 6/ 9.

(6) تاريخ فلسطين القديم ص 126.

(7) تاريخ فلسطين القديم ص 44 عن جفريز.

(8) سورة البقرة اية 102.

(9) قاموس الكتاب المقدس ص 135.

(10) صموئيل الثاني 7 - 4/ 5.

(11) سفر يشوع 63/ 15.

(12) صموئيل الثاني 25 - 24/ 4.

(13) ارام دمشق واسرائيل ص 150 وما بعدها.

(14) العرب واليهود في التاريخ ص 545.

(15) ارام دمشق واسرائيل ص 149.

(16) العرب واليهود في التاريخ ص 546.

(17) نفسه ص 544.

(19) نفسه ص 83.

(20) تلاحظ هذه القصة في سورة النمل الايات 44 - 20.

(21) سورة ص اية35.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير