تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، وأن عبور البحر كان عند خليج العقبة، ودوافع هذا التوجه محض سياسية توسعية تستهدف السيطرة الإسرائيلية على خليج العقبة تماماً من جميع الجهات، وتثبت ذريعة للتوسع المستقبلي في شبه جزيرة العرب.

هذا ودللت نتائج الحفريات الأثرية على عدم دخول هجرة بشرية مدمرة أو غير مدمرة إلى أرض كنعان منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لذلك مال الكتاب الغربيون والصهاينة والذين يدورون بفلكهم إلى القول بأنه لم يكن هناك هجرة، بل تسرب سلمي، دون تحديد لمصدر هذا التسرب، لا بل عدم اتفاق على هوية المتسربين وتعدادهم، وبالفعل هذا كله اختراع، والاختراع في التاريخ زيف، فقد برهنت المكتشفات الأثرية على أن أريحا لم يلحقها التدمير نتيجة هجوم أو غير ذلك، ومثل هذا بقية مدن فلسطين التي كانت موجودة آنذاك.

وذهبت مروريات التوراة إلى أن موسى لم يدخل إلى فلسطين، بل وصل إلى منطقة مُاّب، في أردن اليوم وصعد إلى قمة جبل حيث شاهد "الأرض المقدسة" أو "أرض الميعاد" ثم توفى، ومن الصعود إلى قمة هذا الجبل في هذه الأيام لا يمكن مشاهدة أي شىء مما ورد ذكره في التوراة، ومن المؤكد أن موسى لم يصل إلى هذا الجبل، ولا إلى أية منطقة في بلاد الشام، وهم قالوا بأن موسى قد دفن فيه لقداسة هذا الجبل منذ القديم، وبالفعل كان هذا الجبل مقدساً، ولذلك استعار كتاب التوراة اسمه، ذلك أن قمته وسفوحه، والوادي دونه، فيها مقابر كثيرة.

فقد جرت الحفريات الأثرية في هذا الجبل منذ عام 1933 م، وتبين أنه أستخدم بمثابة مقبرة منذ الآلف الرابع قبل الميلاد، وأن أقدم أنواع القبور فيه هي قدعرفت باسم وهي منشآت حجرية كبيرة جداً، لها شكل مستدير، ولها فتحة من جهة الشرق، وكان بين ما تم العثور عليه في هذه القبور هو بعض الأدوات التي أستخدمت في الحفر والبناء، وبعض الجرار، وإلى جانب مقابر الدلمون جرى اكتشاف مجموعة أخرى من القبور، ويعود تاريخها إلى أكثر من ألفين قبل الميلاد، وأفادت هذه المكتشفات أن العرب القدماء، خاصة البداة منهم اعتادوا على القدوم إلى جبل نبو، حيث توفر نبع غزير من الماء، مع بعض المراعي، فلقد كانوا يقدمون منذ أيام الربيع حاملين معهم أجساد موتاهم لإعادة دفنها، وكانت هذه عادة مورست في أجزاء أخرى من فلسطين، ومعلوم أن كتبة التوراة لم يتحدثوا عن كيفية موت موسى، بل قاموا بسرقة العادة العربية الفلسطينية، وادعوا جبل نبو لأنفسهم، لأنه اتسم بالقداسة، وكان يضم عدداً من المقابر، ويرجح أنهم فعلوا هذا لدى إحدى مراحل إعادة النظر بنص التوراة في أيام المكابيين.

ومع أنني سوف أتطرق ثانية إلى قضية داود وأبنه سليمان، أشير هنا إلى أن الحفريات الأثرية في القدس لم تظهر ولا أدنى إشارة إلى بناء هيكل سليمان، وأهم من هذا أن هذه المدينة – كبلدة أو مدينة – لم تكن موجودة قبل آواخر القرن الثامن قبل الميلاد، وارتبط قيام هذه البلدة مع تهديم حاضرة بيت عمري العربية (1)، واكتشاف نبع سلوان، ثم انهيار الدولة الآشورية، واسترداد مصر لقوتها.

مع التبدلات التي رافقت ذلك في الاستراتيجيات والتسليح وفنون الحرب، وطرق التجارة، والقرب من شواطئ البحر المتوسط، وتصدي المصريين للتوسع الكلداني في فلسطين، ومع هذا التوسع الذي هدد مصر، وأعاد إلى الذاكرة الاحتلال الآشوري لها، ولسوف أعالج مسألة السبي البابلي فيما بعد مع غيرها من المسائل قبل العصور الكلاسيكية، وبودي التنويه هنا أن كل واحدة من القضايا المتقدم ذكرها تحتاج إلى أبحاث مستفيضة، وهذا من غير الممكن أن يقوم به فرد، بل يحتاج إلى مؤسسات بحث مختصة، وقد آن الآوان أن يكون في كل جامعة في المشرق والمغرب العربي مركز للدراسات الإسرائيلية، وأعجب في الوقت نفسه من إقدام المؤسسات المالية والصناعية والتجارية في الغرب على تأسيس مراكز للبحث، ونحن لا نفعل ذلك، مع أن أمتنا هي أمة الأوقاف وإنشاء المدارس، والإنفاق على العلم والعلماء وتأسيس المكتبات.ومن القواعد المتوجب الالتزام بها في الأبحاث التاريخية الجادة، التمهيد بتقديم دراسة لأهم مصادر البحث، وأن تكون هذه الدراسة نقدية، ونظراً لخطورة موضوع تاريخ القدس، وفي الوقت نفسه لضيق المكان الآن، اضطررت إلى الاقتصار اليوم الإقدام على دراسة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير