أخي العزيز: أسد الإسلام، بالنسبة لسؤالك عن قبر يحيى عليه السلام، وأنه موجود في المسجد الأموي فهو موجود في المصلى و مرتفع عن الأرض، و باعتبار أنه لم نسمع باعتراض من أحد من الخلفاء الراشدين على وجوده في مكان الصلاة فيحتج القبوريون بهذا.
الجواب: أولاً نقول لهم: أثبتوا صحة هذا القبر إلى يحيى عليه السلام، ثم بعدها ابنوا عليه افتراضاتكم، و لعمر الله لو قام أحد و تحقق من صحة نسبة هذه القبور إلى أصحابها من الأنبياء؛ لظهر كذب هؤلاء القبوريون.
لأن جميع هذه القبور المنسوبة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير معروفة؛ فإن القبر الوحيد المتفق عليه، هو قبر النبي صلى الله عليه وسلم من بين قبور الأنبياء جميعاً، و في قبر الخليل عليه السلام خلاف، والجمهور على أن الموضع المعروف هو قبره، كما حكى ذلك شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (27/ 445)، ومع أن قبور جميع الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم جميعاً غير معروفة، فإنه لم يبق نبي إلا و له قبر معروف و مزار مشهور في زمننا هذا!!.
و هاك بعض الأمثلة – و أتمنى أن تعمى أعين القبوريين عن هذه المقالة؛ حتى لا يقال إني أقوم بعمل دعاية لهذه القبور و أعرّف بأماكنها – على هذه القبور المزعومة للأنبياء:-
يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (27/ 61، 459): أن القبر الذي بجبل لبنان بالبقاع و يقال له قبر نوح، كان قد ظهر في أثناء المائة السابعة، و يذكر أن جيران القبر حدثوه أنهم شموا من القبر رائحة طيبة و وجدوا عظاماً كبيرة، فقالوا هذه تدل على كبير خلق البنية، فقالوا – بطريق الظن – هذا قبر نوح، و كان بالبقعة موتى كثيرون من جنس هؤلاء.
و هكذا طمست البدعة بصائرهم حين جهلوا أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأن جسومهم لا تبلى – عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام – كما ثبت في الحديث. صحيح سنن النسائي (1301).
و يذكر القاياتي (ت1320هـ) عدداً من الأضرحة والمزارات المنسوبة إلى الأنبياء في بلاد الشام التي زارها هناك!! بعد نفيه من مصر في أعقاب الثورة العرابية في بداية القرن الرابع عشر الهجري، و من هذه القبور: مزار يحيى بن زكريا عليه السلام في صيدا في جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر و هو في غاية النضارة كما يقول. نفحة البشام في رحلة الشام (ص 62). و ذكر أنه مر على مشهد آخر منسوب إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام في مغارة في ضيعة سبسطة بفلسطين. نفس المصدر السابق (ص 102). مع أن المقام المشهور الذي دفن فيه رأس يحيى بن زكريا عليه السلام كما يقولون يقع في دمشق في قلب الجامع الأموي، و له قبة و شباك، ولا يثبت من هذه المواضع شيء.
وهناك أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب، حيث توجد حجرة تعرف بـ (الحجرة النبوية) يقال إن بها رأس يحيى بن زكريا عليه السلام في صندوق جرن، و قيل إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام في صندوق مرمر.
أما صندوق الجرن الشريف – بزعمهم – فهو في وسط الحجرة من الخشب على صفة ضريح عليه كسوة من مخمل مزركش بالقصب الفضي مكتوب فيه بعض سورة مريم، و هذه أنعم بها السلطان عبد العزيز خان سنة (1291هـ) … و هذه الكسوة التي هي قبل الكسوة الحاضرة أرسلت إلى استانبول، و وضعت هناك في محل الآثار القديمة، وعلى هذه الكسوة الجديدة فوق سنام الضريح عدة شالات ثمينة عجمية و هندية، و مما يوجد في الحضرة مصحف شريف مكتوب على قفا أول صفحة منه (هذا المصحف الشريف بقلم المغيرة بن شعبة الصحابي رضي الله عنه بخط كوفي) على أن خط هذا المصحف مغربي لا كوفي، ولا دليل على أنه خط المغيرة بن شعبة. راجع: نهر الذهب في تاريخ حلب (2/ 244).
و يقول الغزي (ت 1351هـ) بعد أن ذكر الخلاف في الدفين: وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده. نهر الذهب (2/ 247).
ولا يمتنع في عرف هؤلاء المولعين بالأضرحة والمشاهد أن يكون للنبي أو الولي أكثر من ضريح و مشهد في أكثر من بلد، و لهم في ذلك تبريرات ساقطة سنشير إلى بعضها قريباً.
¥