تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لحقائق تاريخية، كإقحام كلمة "اليونان" في الفقرة، في حين أنَّ المؤرخين الأندلسيين قد اعتادوا على استعمال كلمة "الروم" أو "القوط" وكذلك اصطلاح "العلوج والعجم أو المشركين والكفار" (35).

وفضلاً عن ذلك فإنَّ المؤرخين العرب القدماء الذي ينتمون إلى أزمنة مختلفة، وأمكنة متباعدة تجاهلوها، وكأنَّها شيء لا أصل له في الخطبة، فلم يثبتها أحد من المؤرخين الأوائل، أمثال: عبد الملك بن حبيب (ت 238هـ/852م). صاحب كتاب "مبدأ خلق الدنيا"، المعروف بتاريخ ابن حبيب، وابن قتيبة (ت 276 هـ/889م) صاحب كتاب "الإمامة والسياسة"، والطرطوشي (ت 520 هـ/ 1126م) صاحب كتاب "سراج الملوك"، وغيرهم. وأوّل من أورد هذه الفقرة في الخطبة هو ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م). صاحب كتاب "وفيات الأعيان". ويبدو أنَّ الفقرة قد أضيفت إلى الخطبة بعد عصر ابن خلكان عندما استولى الصليبيون على بلاد المسلمين وعبثوا بتراثهم ...

وإذن، فلابد من الوقوف وقفة شكّ كبير أمام هذه الفقرة "ومما يزيد هذا الشك رسوخاً تلك الحقيقة التاريخية التي عُرفت عن الجيوش الإسلامية عامة ـ ولاسيما في تلك القرون الأولى من حملات الإسلام ـ وهي أنَّ هذه الجيوش لم تكن تغزو للغزو وللغنائم التي ينالها الغزاة عادة، بل كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة" (36).

وهذه الحقائق التّاريخية، لا تُعجبُ الصليبيين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فعملوا ما في وسعهم على تشويه التاريخ الإسلامي المجيد بجوانبه المتعددة، تارة بالزيادة، وطوراً بالحذف، ولكن (يُريدُونَ ليُطفِئوا نُورَ الله بأفواهِهم والله مُتِمُّ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ ((37).

المقطع الثالث: إبراز خطته الحربية في المعركة، ويبتدئ بـ (واعلموا أني أوّلُ مجيب إلى ما دعوتكم إليه)، وينتهي بـ (فإنّهم بعده يخذلون).

وبعد أنْ تناول جانب الترغيب مركزاً على الجانبين المادي والمعنوي معاً، انتقل إلى إبراز خُطَّته الحربية في المعركة التي يقبل عليها، واضعاً كل الاحتمالات الممكنة أمام أعينهم تجنّباً للاضطراب أو تصدّع الصفوف في حالة استشهاد القائد، وقد أعلن عن خطته في اللحظات الحاسمة قبل نشوب المعركة، مما يدلُّ على حنكته وبعد نظره (38)، ثم أخبرهم بأنّ قتل لذريق ملك الأعداء سيسهل مهمة فتح الأندلس، لأن قومه سيخذلون بعد قتله، وقد اتخذ نفسه قدوة لجنده عندما تكفل هو بنفسه بقتل لذريق، وقال لهم: فإنْ متُّ بعد قتل الطاغية فقد كفيتكم شره، عندئذٍ تستطيعون إسناد أموركم إلى بطل عاقل يخلفني في قيادتكم.

5 ـ الأسلوب:

الأسلوب في هذه الخطبة، هو أسلوب الخطابة بشكل عام، يمتاز بالقوة والجزالة، وبالإيجاز والفصاحة، وبتماسك الجمل، والبعد عن الحشو والمبالغة وتكلف ما لا طائل تحته، وهو أسلوبٌ عربيّ النّسج، خالٍ من أية عجمة تشينه، أو غرابة وتعقيد يزريان به، ويحطان من قدره، وهو فوق هذا بعيد عن المحسنات البديعية المتكلفة الممقوتة (باستثناء الفقرة الشاذة المضافة المشار إليها سلفاً)، والسجع الموجود في الخطبة من السجع القصير الفقرات الذي لا ينبو عنه الذوق، ولا تَمجُّه الأسماع، لأنَّه خال من كلّ مظاهر الصنعة والتكلف والخطبة في الجملة، تجري على طبيعتها، وعلى هدى معانيها فجملها قصيرة وقوية، متينة السبك، جميلة الصياغة، فلا نجد لفظة مقحمة في غير مكانِها.

6 ـ العاطفة:

تزخر الخطبة بالعواطف الدينية الصادقة، وتظهر عاطفته الدينية واضحة في هذه الخطبة وتتجلى في اهتمامه بالجانبين الروحي والمادي معاً، وفي سعيه إلى الاستشهاد بإيمان كبير وروح عالية، وحث قومه على الجهاد، كما تتجلى العاطفة الطينية في الجمل الدعائية التي تتخلل الخطبة، وفي بعض المعاني التي يستمدها من القرآن الكريم (39).

وعاطفة طارق تتدفق بحب الجهاد والتوق إلى النصر، ولا ريب أنّها عاطفة صادقة قوية، ولولا ذلك ما أحدثت انفعالاً وأثراً قويين في نفوس الجند.

7 ـ المعاني:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير