تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعقوب المنصور استخف بعقول من بالغوا في تعظيم ابن تومرت وتقديسه والعمل

بما قال به أو دعا إليه. (لأنه لا يرى شيئاً من هذا كله، وكان لا يرى رأيهم في

ابن تومرت ... ) [6].

وهكذا نرى أن دعوة ابن تومرت، وإن كانت قد تغلغلت في قلوب العامة

والسذج من الناس، في بعض بلاد المغرب الأقصى والأندلس، فإن ما تحمله من

باطل وزيف قد بدا لمن كان عنده شيء من العلم، مما دفع العقلاء من الموحدين

وهم حماتها إلى العمل على إزالتها، والسعى لبيان وجه الخطأ فيها، فالمنصور

ثالث أمراء الموحدين بعد ابن تومرت عمل على بيان باطلها وسعى لتقويضها ولم

يمضِ على انتشارها بين الناس سوى نصف قرن، وهي مدة قصيرة في عمر

الدعوات، لكن ما تحمله هذه الدعوة من غلو وشطط جعلت أقرب الناس منها

يسعون لتقويضها - كما بينا في السطور السابقة -.

وهنا قد يرد تساؤل وهو: لماذا لم يعلن المنصور الموحدي للناس صراحة

بطلان ما دعا إليه ابن تومرت ويعمل جاداً للقضاء على دعوته؟.

وللإجابة على هذا التساؤل يقال: إن الكثير من الناس ببلاد المغرب الأقصى

لاسيما العامة وشيوخ الموحدين وزعماء القبائل قد تعلقوا بدعوة ابن تومرت واقتنعوا

بصحة ما قال به ودعا إليه، فلو واجههم المنصور بالنقد الصريح أو العمل الجاد

للقضاء على دعوة ابن تومرت لنشأ عن ذلك رد فعل خطير من قبل أولئك القوم،

وهذا بلا شك جعله يكتفي ببيان موقفه منها دون اتخاذ أي خطوات عملية ضدها.

وبالرغم من قلة ما قام به المنصور من عمل ضد دعوة ابن تومرت، إلا أن

عمله هذا كانت له نتائج طيبة حيث إنه بهذا العمل كسر ذلك السياج الذي أحيطت

به دعوة ابن تومرت مما دعا كثيرًا من الموحدين لا سيما المنصفين منهم إلى التمعن

في حقيقة دعوة ابن تومرت ودراستها بموضوعية وإنصاف، فبانت لهم حقيقتها وما

تحمله من زيف وباطل، فأخذوا يتحللون منها شيئاً فشيئاً حتى إذا تولى أبو العلاء

إدريس الملقب بالمأمون [7] (624 - 629 ه) أعلن صراحة خروجه على تعاليم ابن

تومرت، وبين ما تحمله دعوته من زيف وضلال، وقال وهو على المنبر في

مدينة مراكش يخطب الناس: (… أيها الناس لا تدعوه بالمهدي المعصوم -يعني

ابن تومرت - وادعوه بالغوي المذموم فإنه لا معصوم إلا الأنبياء ولا مهدي إلا

عيسى [8]، وأنا قد نبذنا أمره النحيس ... ) [9]، كما يذكر ابن أبي زرع أنه بعد

أن نزل من على المنبر (كتب إلى جميع بلاده بتغيير سير المهدي وما كان ابتدعه

للموحدين وجرى عليه عملهم وسير ملوكهم، وأمر بإسقاط المهدي من الخطبة

وإزالته من الدنانير والدراهم ... وقال: كل ما فعله المهدي وتابعه عليه أسلافنا فهو

بدعة ولا سبيل لإبقاء البدع ... ) [10]، كما أرسل المأمون كتاباً إلى

المدن المغربية والأندلسية بين لهم فيه الخطوات التي اتخذها ضد دعوة ابن تومرت،

وقد جاء في ذلك: ( ... ولتعلموا أنا نبذنا الباطل وأظهرنا الحق، وأن لا

مهدي إلا عيسى ابن مريم ... وقد أزلنا لفظ العصمة عمن لا تثبت له

عصمة ... ) [11].

هكذا تجرأ المأمون تاسع أمراء الموحدين فبين للناس صراحة بطلان ما دعا

إليه ابن تومرت، وأمرهم بنبذه والعودة إلى المنهج الإسلامي الأصيل، ولم يذكر

المؤرخون أن هذا العمل لقي أي معارضة من الموحدين مما يدلنا على أنهم كانوا في

ذلك الوقت قد بدءوا يتحللون منها لما بدا لهم بطلانها.

بعض المزالق التي وقعت بها دعوة ابن تومرت:

كان هذا عرضاً تاريخياً لدعوة ابن تومرت منذ أن كانت فكرة وحتى ظهرت

إلى حيز الوجود، وأصبح لها كيان سياسي يحميها، ويدعو الناس إليها، وقد بدا لنا

من خلال هذا العرض أن دعوة ابن تومرت بالرغم من انتشارها في بادئ الأمر،

وتمكن أصحابها من القضاء على خصومهم المرابطين، فإن أسسها العقدية التي

قامت عليها لم تكن أسساً سليمة؛ بل كانت منحرفة عن الأسس الإسلامية الصحيحة،

وباستقراء تاريخ هذه الدعوة وما خلفه لنا ابن تومرت من تراث فكري ندرك

المزالق التي وقع فيها الموحدون، ومن أهمها:

1 - ادعى محمد بن تومرت داعية الموحدين الأول العصمة لنفسه إذ قال عن

نفسه بأنه هو المهدي المعصوم [12]، كما سماه تلاميذه بهذا الاسم فأطلقوا عليه

لقب المعصوم حتى أصبح هذا اللقب من أشهر ألقاب ابن تومرت لدرجة أنهم كانوا

يطلقونه عليه دون ذكر لاسمه بسبب اشتهاره به!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير