2 - وفي الدولة العباسية، وحين حديثه عن الخليفة (المتوكل) قال:
وفي سنة 236 هـ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام،
وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع
الناس من إتيانه .. وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام
ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أن يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم وكان
من ندمائه من يسخر من علي -رضي الله عنه- وقيل أن المتوكل كان يبغض من
تقدمه من الخلفاء: المأمون، والمعتصم، والواثق في محبة علي وأهل بيته، وإنما
كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي، منهم علي بن
الجهم الشاعر الشامي من بني شامة ابن لؤي، وعمر بن فرح الرخجي، وأبو
السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالى بني أمية، وعبد الله ابن محمد بن
داود الهاشمي المعروف بابن أترجه، وكانوا يخوفونه من العلويين، ويشيرون عليه
بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين
يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين، ولم يبرحوا به حتى ظهر فيه ما كان، فغطت
هذه السيئة جميع حسناته، وكان من أحسن الناس سيرة، ومنع الناس من القول
بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن) [19].
وهذه الرواية حين نرجع إلى الطبري لا نجدها بهذا السياق، بل نجد الطبري
يكتفي بسياق الحادثة (هدم قبر الحسن وما حوله، وحرث وإسقاء فوضع القبر) [20].
فلماذا أطال ابن الأثير في ذكرها مؤكداً على بغض المتوكل لعلي وأهل بيته،
بل كان يبغض من كان محباً لعلي من الخلفاء قبله؟ وهل صحيح أن «ندماء
المتوكل كانوا مشهورين بالبغض لعلي؟ وإذا كان الإمام أحمد من مستشاري
المتوكل [21] فهل لهذا اكتفى بالإشارة إلى وفاته مجرد إشارة؟! [22].
وعلى فرض تسليمنا بكون المتوكل فيه (نصب) [23] فهل يستحق من ابن
الأثير أن يقول عنه: «إن هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتله! ويقول:
إن هذه السيئة غطت جميع حسناته؟! وهو الخليفة الذي أثنى عليه طائفة من
العلماء فقال: خليفة بن خياط (ت 240 تقريبًا):
استخلف المتوكل فأظهر السنة - وتكلم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق
برفع المحنة وبسط السنة ونصر أهلها [24]. وقال ابن خلكان: رفع المحنة في
الدين وأخرج أحمد بن حنبل من الحبس وخلع عليه [25]. وقال ابن تيمية:
«وفي أيام المتوكل عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا
الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم» [26].
ويقول ابن كثير: «إن السنة قد ارتفعت جداً في أيامه [27]. وقد استبشر الناس
بولايته فإنه كان محباً للسنة وأهلها ورفع المحنة عن الناس، وكتب إلى الآفاق لا
يتكلم أحد في القول بخلق القرآن [28].
وكان محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم
بالصديق في قتله أهل الردة لأنه نصر الحق ورد عليهم حتى رجعوا إلى الدين،
وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بنى أمية، وقد أظهر السنة بعد البدعة،
وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله.
هذه بعض أقوال العلماء في المتوكل، وإذا كان يظهر منها تتبعه لأهل البدع
وقمعهم فإن قمعه لبدعة (التشيع) ظاهرة، فقد كان يتبع أخبارهم ويطارد مشايخهم
في أقطار الخلافة، وتتبعه للشيخ (بشر الجعاب) الذي كان يظهر التشيع (بالدينور)
وله أصحاب يجتمعون إليه ويأخذون عنه، كما ذكر قصته مطولة ابن خلكان [29]
نموذج لهذا التتبع، ولعل هدمه لقبر الحسين من هذا الباب، والسؤال المطروح
لماذا تستثير مثل هذه الأعمال ابن الأثير إلى حد يقول معه إنها غطت جميع
حسناته؟!
وفي معرض حديثه عن (المعتضد) ذكر أنه عزم في سنة 286هـ على لعن
معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس. قال ابن
الأثير: (وهو كتاب طويل قد أحسن كتابته، إلا أنه استدل فيه بأحاديث كثيرة
على وجوب لعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تصح ... ) [30] وهذا
الكتاب ساقه (الطبري) بطوله في أحداث سنة 284هـ[31] وفيه من الغرائب
والأحاديث المنكرة ما لا يتصور، وفوق ما فيه من أحاديث منكرة فهو صريح في
لعن أبي سفيان وابنه معاوية، ويزيد، ومروان بن الحكم بن الحكم وولده وهم -كما
¥