تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون، قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك، قال: و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا، قالوا: إنه عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، و لست من أمركم في شيء. البداية و النهاية (8/ 233) و تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61 - 80هـ – (ص274) و قد حسّن الأخ محمد الشيباني إسناده انظر مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384).

كما أن مجرد موافقة عدد من كبار الشخصيات الإسلامية، من أمثال عبد الله بن الزبير و عبد الله ابن عباس و ابن عمر و أبو أيوب الأنصاري، على مصاحبة جيش يزيد في سيره نحو القسطنطينية فيها خير دليل على أن يزيد كان يتميز بالاستقامة، و تتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة، ويتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات؛ وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد.

و بالرغم من كل ما سبق أن أوردناه من روايات، فإن أحد المؤرخين المحدثين قد أعطى حكماً قاطعاً بعدم أهلية يزيد للخلافة، دون أن يناقش الآراء التي قيلت حول هذا الموضوع، أو أن يقدم أي دليل تاريخي يعضد رأيه، ويمضي ذلك المؤرخ المحدث في استنتاجاته، فيرى أن معاوية لم يبايع لولده يزيد بولاية العهد، إلاّ مدفوعاً بعاطفة الأبوة. أنظر كتاب: موسوعة التاريخ الإسلامي لأحمد شلبي (2/ 46 - 47، 51).

لكننا نجد وجهة النظر التي أبداها الأستاذ محب الدين الخطيب - حول هذه المسألة - جديرة بالأخذ بها للرد على ما سبق، فهو يقول: إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع سجاياهما، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام، ولا عمر بن عبد العزيز، و إن طمعنا بالمستحيل و قدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر و عمر آخر، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر و عمر، و إن كان مقياس الأهلية، الاستقامة في السيرة، و القيام بحرمة الشريعة، والعمل بأحكامها، و العدل في الناس، و النظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم و جماعاتهم، فإن يزيد يوم تُمحّص أخباره، و يقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، و أجزل الثناء عليهم. حاشية العواصم من القواصم لابن العربي (ص221).

و نجد أيضاً في كلمات معاوية نفسه ما يدل على أن دافعه في اتخاذ مثل هذه الخطوة هو النفع للصالح العام و ليس الخاص، فقد ورد على لسانه قوله: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت و أعنه، و إن كانت إنما حملني حبّ الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت به أهلاً، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. تاريخ الإسلام للذهبي – عهد معاوية بن أبي سفيان – (ص169) و خطط الشام لمحمد كرد علي (1/ 137).

و يتبين من خلال دراسة هذه الفكرة – أي فكرة تولية يزيد ولاية العهد من بعد أبيه -، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان محقاً فيما ذهب إليه، إذ أنه باختياره لابنه يزيد لولاية العهد من بعده، قد ضمن للأمة الإسلامية وحدتها، و حفظ لها استقرارها، و جنبها حدوث أية صراعات على مثل هذا المنصب.

و قد اعترف بمزايا خطوة معاوية هذه، كل من ابن العربي، أنظر: العواصم من القواصم (ص228 - 229).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير