تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثانيا إن ماوعد الله به العرب المسلمين قد تحقق على ايديهم على أرض الواقع , فحققوا انتصارات باهرة , وهزموا دولتي الفرس والروم , وملكوا أراضيهم وأموالهم ,,

والشاهد الثالث هو إن قوله بأن التوحش جبلة في العرب ومتأصل فيهم مهما تحضروا هو قول باطل من أساسه لا يصدق على العرب , ولا على غيرهم من الأمم , لأن البشر كلهم لهم استعداد للتحضر والنهوض والرقي , ,

والشاهد الرابع هو إن مثال بني هلال وبني سليم الذي ذكره ابن خلدون , لا يصدق على كل العرب , ولا يخص بني هلال وبني سليم دون غيرهم من قبائل شعوب العالم , ولا يصدق عليهم في كل زمان ومكان , فالأعمال التي صدرت عن هؤلاء في تخريبهم لكثير من مظاهر العمران بالمغرب الإسلامي , ليست خاصة بهم ولا بالعرب عامة , وإنما هي موجودة في كل بدو العالم تقريباً ,ببلاد المغرب وفارس وخرسان والصين وغيرها.

ومثال ذلك قبائل المغول , فهي قبائل بدوية متوحشة , اجتاحت المشرق الاسلامي ودمرته تدميرا خلال القرن السابع الهجري وما بعده. وكذلك قبائل الغجر في أوروبا المعاصرة, فهم يفسدون ويقلقون وليسوا عرباً , وعليه فإنه من الخطأ إصدار ذلك الحكم على العرب بطريقة فيها تأكيد وتأبيد.

وا/ا الحكم الثالث فهو قوله:" إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة , أو ولاية , أو أثر عظيم من الدين على الجملة " , بسبب خلق التوحش الذي فيهم وهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض , للغلظة والأنفة وبعد الهمة , والمنافسة في الرياسة ,فقلما تجتمع أهواؤهم ".

وردا عليه أقول: أولا إن ذلك الحكم لا يصح إطلاقه على أية أمة من الأمم ,لأنه لا توجد علاقة حتمية بين الدين والدولة , فقد تظهر الدولة ويتخلف الدين , وقد يظهر الدين وتتخلف الدولة , وقد كانت للعرب دول في جنوب الجزيرة العربية وشمالها قبل أن يظهر الاسلام , هذا إذاكان ابن خلدون يقصد بالدين الإسلام فقط , ,,

ويتبين مما ذكرناه ان ابن خلدون في استخدامه لمصطلح العرب كان يقصد العرب جميعاً بدواً وحضراً , ولم يخص البدو بأحكامه القاسية دون الحضر , ,,

ـ[أبو الأشعث الجنبي]ــــــــ[14 - 04 - 10, 11:59 م]ـ

إخواني الكرام: أما من يقول: (إن العرب بدون التدين فهم أشبه بالبهائم بخلاف الأمم الأخرى) فقد افترى إفكا مبينا وأتى جهلا ومينا، وإن لم تكن هذه هي الشعوبية التي تغض من قدر العرب ولا تقر بفضلهم فليس في الأرض شعوبي!

ولست هنا بسبيل سرد فضائل العرب وخصائصهم التي تميزوا بها، فيكفيني أن أصدع قائلاً ـ مع كرهي للحديث عن الأممية ولكن مكرهٌ أخاك لا بطل؛ ـ: (ليس في الأرض قديما ولا حديثا مسلمٌ يشهد الشهادتين إلا وهو مدينٌ للعرب، إذ منهم محمدٌ عليه صلوات الله وسلامه، ومنهم حمَلة النور الأوائل، والجيلُ الذي لا مثيل له في التاريخ، فمنهم خاتم الأنبياء، ومنهم سيد الأولياء أبو بكر، ذلك هو الفضل العظيم.

فإن قال قائل: ليس لكم أن تذكروا ـ في معرض الحديث عن تباين الأمم وفضلها ـ خاتم النبيين لأنه بُعث للناس كلهم، قلتُ: من يمنع تميما أن تسمو بقيس بن عاصم؟ ومذحجا أن تبذخ بعمرو وإقدامه؟ وطيئا أن تحتج بحاتم وكرمه؟ ولعمري لئن جرّدنا فزارة من بني بدرها، وبكرا من شيبانها، وتغلب من كليبها فلن يبقى للمنافر مفخرة، وللمنازع حجة!

أفيصح ـ في رؤيتكم ـ أن تفخر الروم ببطارقتها و وتنخر الفرس بمرازبتها، زرافات ووحدانا، و أما العرب فحماهم مباح، وفضلُهم لا يخصهم وحدهم بل هو للكافة متاح! تلك إذاً قسمة ضيزى.

وما ذكرت ـ أعلاه ـ من فضل العرب إلا مثالاً واحدا من الجيل الأول، فكيف بما قبله وما بعده؟

أما قول ابن خلدون إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية، فإن أراد بالملك: أن يملكوا سائر الأمم ويتصدروا سائر الأعراق في قيادة الإسلام وسياسة الناس، فهو صحيحٌ لا غبار عليه.

وأما إن أراد مطلق الملك، أي لا يحصل لهم حضارة أبدا ويكون سيلهم زبدا أو كما عبّر أحد المعلقين: يصيرون أشبه بالبهائم، فإنه قولٌ منكر لا أظن ابن خلدون قصد إليه أو حام حوله.

فأين ذهب مُلك تبع الذي قال الله فيه: (أهم خيرٌ أم قوم تبع) وأين طارت حضارة بلقيس التي قال تعالى فيها حكاية عن الهدهد: (وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) ثم المحاورة التي دارت بينها وبين وزرائها: (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد) الآيات، إلى قوله: (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين)

ولا يجهل ذو عقل أن التبابعة ملوك حمير، وحمير من العرب، وهذا استدلال من التنزيل الذي هو أصدق قيل، على أنه قد كان لمن يعبد الشمس من العرب،حضارةٌ وعمارة ونظام وشورى ومفاخر في قياس أهل الدنيا.

وأما خراب ما اعتمره العرب وأثاروه من البلدان، فهذا من سنن الله في خلقه كافة، وليس خاصاً بالعرب، لقوله تعالى: (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) فكل هذه المدن والقرى لا بد أن تضمحل، وقد يموت البلد ويهجره أهله، ثم يعمره قوم آخرون.

واعتبر ـ في حضارتهم العمرانية ـ بحال العراق الذي لم يكن فيه مدن مشهورة ولا قلاع معمورة، سوى مدائن كسرى ونحوها، فلما أتى العرب بنوا ـ على حداثة عهدهم بالصحراء ـ مدنا عظيمة بلغت الغاية في العلم والأدب والقوة والترف والغنى، كالبصرة والكوفة وبغداد وواسط وغيرها.

فإن قلت: إنما بنوا هذه المدن حين تلبسوا بالإسلام وهذا جارٍ على رأي ابن خلدون لا إشكال فيه، قلتُ: فأين ذهب ـ على حين جاهليتهم ـ المدن المشهورة المسماة بأسمائهم وأسماء ملوكهم في اليمن مثلا؟ وأين سد مأرب المشهور وقد كانوا في رغد عيش حتى وصفهم تعالى بقوله: (بلدة طيبة ورب غفور)، وقبلهم اشتهر قوم عاد وثمود وهم كفرة فجرة، بالبناء والتفنن فيه، قال تعالى: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) (أتتركون فيما ههنا آمنين في جنات ونعيم)

اللهم اهدنا واجعلنا أمة واحدة، وانصرنا على القوم الكافرين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير