تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما القول بأن رسول الله ? كان قائدا عسكريا فجرأة على رسول الله، يأباها إجلالنا له، وتوقيرنا إياه، فإن القائد العسكرى وظيفته كسب النصر على الأعداء بأى سبيل ولو أدى الأمر إلى قتل الألوف من الأبرياء …….

لم ينشئ محمد رسول الله ? دولة، ولكنه بنى أمة، وبث فى هذه الأمة القرآن، وفيما يتصل ببناء الأمة فإن القرآن إيقاظ للضمير الإنسانى، وإشعار له بقدره وبالقيمة الإنسانية للإنسان ضرب رسول الله ? بقوله وفعله المثل للأمة لتقتدى به …… وترك الأمة لتختار لنفسها الطريق، لكى تسير نفسها فى طريق النصر والإيمان والعزة والكرامة والخير، والأمة بعد ذلك حرة فى أن تصنع لنفسها الشكل الذى تحكم نفسها به، فهى أساسا أمة حرة أو اتحاد شعوب حرة" ().

هذا ما ختم به الأستاذ الدكتور حسين مؤنس كتابه "دستور أمة الإسلام دراسة فى أصول الحكم وطبيعته وغايته عند المسلمين" وقد تكفلت بدعمه الهيئات المضطلعة بتمويل مكتبة الأسرة، ونشر فى العام 2000 بثمن قدره مائة وخمسون قرشا.

وخلاصة كتاب الدكتور مؤنس أمران:

أحدهما: ما صرح به من نفى قيام الدولة فى الإسلام، وقد نقلناه عنه بنصه، مع أنه متناقض مع حرصه الشديد على إبراز أن كل خطوات النبى ? كانت تتم وفق حساب دقيق يقول " لم نعرف فى التاريخ رجلا بلغ إحكامه فى التوفيق، ودقته فى التقدير، وإقباله على العمل المضنى على خطة واضحة مثل محمد " () ويقول " مكث الرسول فى قباء أربعة أيام، وهى فى نظر الكثيرين فترة طويلة، ولكن الحقيقة أنه استوعب خلال هذه الأيام معلومات كثيرة عن الأحوال فى المدينة، ومن خصائص محمد- هكذا كان يكتب - أنه كان يجيد الإنصات وكان يعى ممن يحدثه كل شئ …… لهذا لم يغادر ديار بنى عمرو بن عوف إلا بعد أن عرف تماما ماذا سيعمل، وكيف سيعمله " ().

ويقول " ثم سار وهو على ناقته المشهورة المسماة بالقصواء … .. ثم عرض عليه بنو سالم أن يقيم عندهم … .. ويكون رد رسول الله ?: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، والإشارة هنا إلى القصواء.

وما معنى: أنها مأمورة؟

ألسنا جميعا مأمورين من الله سبحانه فى كل ما نفعله؟

ولماذا نفسرها على أنها مأمورة من الله سبحانه وتعالى؟ ولماذا لا نفسرها على أنها مأمورة من محمد!! لأنه بعد أن درس أحوال المدينة عرف أين يريد، فهو لا يريد أن ينزل فى العدد والعدة والمنعة، وليس هو برئيس دنيوى يبحث عن القوة، إنما هو نبى ورسول وشاهد ومبشر، وسنراه ينزل فى حيث ينبغى أن ينزل النبى الشاهد المبشر النذير، وأين يكون السراج المنير إلا وسط المدينة حيث يصل نوره إلى أطرافها جميعا على سواء؟ " ().

ويبلغ المعنى قمته بقوله " والجميل فى سيرة الرسول أننا نراه منذ وطئت قدماه قباء يتصرف كأنه يسير على خطة محكمة، وضعها بإحكام من قبل، وعندما جاءت الفرصة سار فى التنفيذ قدما كل خطوة تتبعها خطوة، والخطوات تتلاحق وتتكامل، وبناء الأمة يسير بترتيب وأحكام وتوفيق دقيق، كأنما كان محمد يعلم أنه لم تبق له من سنوات العمر إلا عشر سنوات وبضعة شهور هجرية ولا بد أن يتم رسالته كاملة خلال هذا الأمد القصير، فليست هناك ساعة واحدة للضياع " ().

ونحو هذا كلام كثير ينفى عن أقوال النبى ? وأفعاله سمة الوحى السماوى والتدبير الإلهى، ويصر على أنها من قبيل التدبير المحكم والبصيرة النفاذة، ومع كل هذا ينتهى إلى أن رسول الله ? لم يكن رجل دولة، ولا سياسيا، ولا قائد عسكريا، وما ذاك إلا لأن السياسى الذى يعرفه الدكتور مؤنس رجل مخادع، ولا يعرف عسكريا إلا سفاك دماء، ولا دبلوماسيا إلا كاذبا؟!!!.

فإن لم يكن ما أتاه النبى ? وحيا ولا سياسة ولا قيادة ولا دبلوماسية فماذا يكون إذن؟

الرأى عندى أن الدكتور مؤنس – ولا أحد ينكر قدره وفضله – فى زعمه " بأن هذا الذى يكتبه إنما هو تاريخ للإسلام جديد يقوم على منهج فى البحث والاستقراء جديد" () يشبه خطيبا من بعض المتصوفة سمعته يوما يخطب فى الناس بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج وقال: قال رسول الله ?: أعطيت ليلة أسرى بى ثلاثة علوم. علما أمرت بإبلاغه، وعلما أمرت بكتمانه وعلما خيرت فيه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير