فقال: عمار: لم يكن حرقهم، ولكنه حفر لهم حفائر، وخرق بعضها الى بعض، ثم دخن حتى ماتوا.
فقال عمار: قال الشاعر:
لترم بى المنايا حيث شاءت ***** إذا لم ترم بى فى الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا ***** هناك الموت نقدا غير دين
ومن حديث يحيى بن بكير ما يصدق ذلك: عن على انه وجد فى ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة كان اسمه الفجاءة، فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم على بن ابى طالب، وكان يومئذ اشد فيهم قولا، فقال على: إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم، إلا أمة واحدة، صنع الله بها ما علمتم، أرى ان يحرق بالنار.
فاجتمع رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحرق بالنار، فكتب أبو بكر الى خالد بن الوليد ان يحرقهم بالنار، فأحرقهم بالنار، ثم أحرقهم ابن الزبير فى زمانه، ثم أحرقهم هشام بن عبد الملك، ثم أحرقهم خالد القسرى بالعراق.اهـ
وأخرج البخارى فى الصحيح ـ كتاب استتابة المرتدين ـ حديث رقم (6923)، وفيه لما قدم معاذ بن جبل على ابى موسى الاشعرى وهما باليمن: " فإذا رجل عنده موثق، قال ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا اجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرات)، فأمر به فقتل، .... الحديث
وذكر الحافظ ابن حجر فى الفتح (12/ 329): وأخرج الطبرى من وجه أخر عن معاذ وابى موسى " ان النبى صلى الله عليه وسلم أمرهما ان يعلما الناس، فزار معاذا أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال: يا اخى أو بعثت تعذب الناس إنما بعثنا نعلمهم دينهم بما ينفعهم فقال انه اسلم ثم كفر، فقال: والذى بعث محمدا بالحق لا ابرح حتى احرقه بالنار " ........
قوله: " فأمربه فقتل " فى رواية أيوب " فقال والله لا اقعد حتى تضربوا عنقه " وفى رواية الطبرانى التى أشرت إليها " فأتى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها " ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه فى النار، ويؤخذ منه ان معاذا وأبا موسى كانا يريان التعذيب بالنار وإحراق الميت بالنار مبالغة فى إهانته وترهيبا عن الإقتداء به ..... اهـ
و أخرج البخارى كتاب الجهاد والسير حديث (3016):
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار عن ابى هريرة رضى الله عنه قال " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعث فقال: ان وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: انى أمرتكم ان تحرقوا فلانا وفلانا وان النار لا يعذب بها الا الله: فان وجدتموهما فاقتلوهما ".
قال الحافظ فى الفتح (6/ 183):
قوله (وان النار لا يعذب بها الا الله): واختلف السلف فى التحريق: فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر او فى حال مقاتلة او كان قصاصا، وأجازه على وخالد بن الوليد وغيرهما، وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريبا، وقال المهلب: ليس هذا النهى على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبى صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله النووى والاوزاعى، وقال ابن المنير وغيره لا حجة فيما ذكر للجواز، لأنه قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابى آخر وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة الى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بان لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهى فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمول على من قصد الى ذلك فى شخص بعينه، وقد اختلف فى مذهب مالك فى اصل المسألة وفى التدخين وفى القصاص بالنار. اهـ
و ذكر الطبرى فى تاريخ الأمم والملوك (2/ 226) احداث سنة 11 هـ
¥