ابن حبيب نا مطرف بن عبد الله عن عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن المنكدر وموسى بن عقبة وصفوان بن سليم أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد في بعض سواحل البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة وقامت عليه بذلك البينة فاستشار أبو بكر في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أشدهم فيه يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال إن هذا ذنب لم يعص به من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم أرى أن تحرقهما بالنار فاجتمع رأي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار ثم حرقهما ابن الزبير في زمانه ثم حرقهما هشام بن عبد الملك ثم حرقهما القسري بالعراق.
وهذا أيضا فيه أمور:
أولاها: أن عبد العزيز بن أبي حازم متكلم فيه وضعفه بضعهم، ولا يحتمل مثل هذا، يحتاج لمن يتابعه في حادثة مثل تلك.
ثانيها: محمد بن المنكدر وموسى بن عقبة وصفوان بن سليم يحتاج إلى إثبات ثبوت سماعهم عمن ذكروا من الصحابة.
ثالثها: نقول مع التنزل أن الرواية صحيحة فكلام ابن وهب أكبر وأكثر وأجل من ابن العربي والثابت من طرق أخرى كثيرة أن عليا رضي الله عنه ما حرق من ادعوا فيه الإلهية بل قتلهم ثم حرقهم.
قال ابن عبد البر في التمهيد (5/ 317):
قد روينا من وجوه أن عليا إنما أحرقهم بعد قتلهم ... عن سلام بن أبي القاسم عن عثمان بن أبي عثمان الأنصاري قال جاء ناس من الشيعة إلى علي فقالوا يا أمير المؤمنين أنت هو قال من أنا قالوا أنت هو قال ويلكم من أنا قالوا أنت ربنا قال ويلكم ارجعوا فتوبوا فأبوا فضرب أعناقهم ثم قال يا قنبر ائتني بحزم الحطب فحفر لهم في الأرض اخدودا فأحرقهم بالنار ثم قال:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا
بل الرواية التي أوردها ابن العربي أيضا بعد ذلك تفيد أنه ما حرقهم إنما دخن عليهم وهذا ليس بتحريق ولا أعلم لماذا لم يتلفت إليها.
وما استدل به ابن العربي كذلك من حديث يحيى بن بكير إنما هو من روايته عن صفوان بن سليم أن خالدا كتب، ويحتاج إلى إثبات السماع.
وما ما ذكره ابن العربي من رواية البخاري ورواية الطبري وتكلفه للجمع بينهما فلا داعي للجمع، وإنما يلجأ للجمع عند ثبوت الصحة للحديثين ومقتضى الصنعة أن ما رواه البخاري أوثق وأولى من رواية الطبري وكتب التواريح فيها ما فيها من المناكير والشواذ، فما بالك وقد خالفت رواية الصحيح، لكن ابن العربي فقيه والفقهاء عندهم إشكالية في قضية الشذوذ والنكارة يباينون بها مذهب أهل الحديث بحيث أنهم يتكلفون الجمع بين أحاديث كثيرة لو اعتمدوا فيها مذهب أهل الحديث ما احتاجوا لهذا الجمع ولتوجه صحة أحد الحديثين وعدم صحة الآخر وانتهت القضية.
وحديث البخاري قطعي الدلالة، فلا يعارض بتلك القصص التي تحتاج لأركان من آجر.
وما ذكرته أيضا من حديث ابن إسحاق فالرجل مدلس وقد عنعنه، ويحتاج إلى ثبوت السماع لعبد الله بن أبي بكر من الصحابة.
وأما ردك على أخينا في الله تعالى ابن دحيان وهو رد ضمني أيضا على أخينا في الله تعالى الفقيه بقولك:
ليس علينا إثبات صحة ما نقلناه عن ابن حجر وابن العربى
بل عليك إثبات بطلان ما ذكروه من أقوال.
فنقول لك: لا هذا خطأ منك فلابد أن تتأكد من صحة ما يستدل به ابن العربي وابن حجر، ولا يجوز لك الإحتجاج بحديث إلا إذا تأكدت صحته، فقول ابن دحيان لك لابد أن تثبت ما أوردته لا يريد إثبات النقل عن ابن حجر وابن العربي بل إثبات ما أورده ابن العربي وابن حجر من أدلة فتدبر الفرق ولا مناص لك عن ذلك - أن كنت تعرف أصول البحث والمناظرة - وقد بينت لك عدم صحة الإستدلال بها.
وردك بأنك ترى أن ابن تيمية بشر يخطيء ويصيب فهذا لا جديد فيه وكلنا قائل بذلك لكن ليس كل أحد يستطيع النقد أو النقض عليه، وكما بينت لك فلا ابن حجر ولا اللكنوي ولا من تبعهما بما فيهم أنت طبعا بأهل للتنظير على كلام ابن تيمية بله النقد أو النقض عليه.
فبان بما قدمته لك أمور:
أولا: ضعف بعض الأحاديث التي أوردتها عن ابن العربي.
ثانيا: أن الثابت عن علي في فعله هو أنه لم يحرقهم بل قتلهم ثم أحرقهم، وهذا لا ينزل تحت النهي، ومع ذلك فقد أنكر ابن عباس.
¥