[الرقابة على التاريخ ... !!!]
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[20 - 11 - 06, 02:22 ص]ـ
الرقابة على التاريخ
###
ملحوظة: الموضوع يضم فقرتين، و كل فقرة مذيلة بهوامشها.
الفقرة الأولى:
**********
الحمدُ لله الذي جعلَ تاريخَ المسلمينَ الأوائلَ مُشرقًا نَاصعًا، والصلاةُ والسلامُ على رَسُولِ الله أولًا وآخرًا، وعلى آلهِ وصَحبِهِ ومَنْ والاهُ إلى يَومِ الدينِ والآخرة.
أمَّا بَعْدُ: فإنَّ صِيَانةَ تَاريخنِا الإسلاميِّ المَجيدِ، واستنقاذَهُ مِنْ أيدي العَابثِينَ؛ مِنْ واجِبَاتِ أهلِ العِلْمِ والمعرفةِ، فلا يتركُ بأيدي المستشرقينَ يَتخذونَهُ غَرَضًا، ولا بأيدي المتغافلينَ - سهوًا أو عمدًا - لينتقوا منه ما يشينُ الأجْدَادَ والأمجادَ، فيأخذونَ هذا ويتركونَ ذاكَ، لحاجةٍ في نُفوسِهم، وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا يَكْتُمُونَ.
وفي هذا العصرِ؛ نجدُ شُعوبًا وأُمَمًا تحاولُ أنْ تصنعَ لها تاريخًا، فتجمعُ الأحجارَ والأوراقَ، وتحفرُ الأنفاقَ، وتَهدمُ المنازلَ، وتخربُ المساجدَ ... بزعمِ أنَّ هنالكَ لهم تاريخًا وتراثًا، مما حَملَهُم على التَّنقيبِ والبحثِ والتَّخريبِ على أَمَلِ العثورِ على هذا التاريخِ الموهومِ.
وليس هذا حال تلك الأمة فقط، بل هو حالُ الكثيرِ مِنَ الشعوبِ في هذا العصرِ. فما بالُ أُمَّتِنَا؛ لديها هذا التاريخُ المشرقُ مخطوطًا ومطبوعًا ولا يُولُونَه اهتمامًا؟!
مِنْ هذا المنطلقِ كان لِزَامًا علينا قراءةُ تاريخِنا قراءةَ تَمحيصٍ وتحقيقٍ، وغربلتُه مما يَشُوبُهُ، وتَنقيتُهُ مما اختلطَ به، وصَهْرُهُ لِيَخرجَ مُشرقًا نَاصعًا نَقيًّا، فينفعَ الناسَ، ويكون كما قال ربُّنَا عز وجل "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ " [سورة الرعد]
لذا كانت هذه الوريقاتُ، التي أردنا أن تكونَ نِبراسًا وطَريقًا مُمَهدًا لِمَنْ أرادَ أنْ يُطالعَ تاريخَنا مِنْ مَصادرِهِ ومَظَانِّهِ الصَّحِيحَةِ لِيطمئنَ قَلْبُهُ، ويَزولَ عنه ما أُشْكِلَ عليهِ وأُبْهمَ.
أسبابُ القُصُورِ في قِرَاءَةِ التَّاريخِ
يمكنُ أنْ نُرجعَ التقصيرَ الموجودَ في الكثيرِ مِنَ الدراساتِ التَّاريخيةِ المعاصرةِ إلى ثلاثةِ أسبابٍ:
(السبب الأول)
أنَّ كثيرًا مِنْ أبناءِ المسلمينَ وقَعُوا ضَحايا لِمَا كَتَبَهُ بَعضُ المستشرقينَ والمتأثِّرينَ بهم من بني جِلدتِنَا، وغيرهم مِنَ الكَتَبةِ المُرتزقةِ؛ الذين يَتلقَّفونَ الأكاذيبَ والتّرّهاتِ المُختلقة في تَاريخِنا الإسلاميِّ على وَجْهِ العُمومِ، وما يَتعلَّقُ بآلِ البَيْتِ النَّبَويِّ الأطهارِ والصَّحَابَةِ الكِرَامِ
رَضِيَ اللهُ عنهم
على وَجْهِ الخصوصِ.
ثُمَّ يَجعلونَ هذه الأباطيلَ عُمدةً فيما يكتبونَ، وكأنها مِنَ المُسَلَّماتِ، مُروجينَ لها على السُّذَّجِ مِنَ القُرَّاءِ والدَّهماءِ، معتمدينَ على كَونها مُسَطَّرةً في ثنايا الكُتُبِ التاريخيةِ، وكأنَّ وجودَها في بطونِ الكُتُبِ كَافٍ في إسباغِ الأكاذيبِ صِفَةَ الصِّدقِ والثبوتِ، متغافلينَ عن تطبيقِ وإعمالِ قَواعدِ البحثِ العلميِّ والتحقيقِ التي يُدندنونَ بها ليلَ نهارَ؟!
على الرغمِ مِنْ أنَّ الكثيرَ مما ينقلونَهُ ويذكرونَهُ؛ إمَّا أنْ يكونَ ضَعيفَ السَّنَدِ، أو موضوعًا مكذوبًا، أو ليسَ له أصلٌ (1).
والكثيرُ منهم يَعلمُ هذه الحقيقةَ ويتغافلُ عنها؛ مِنْ أجلِ الطَّعنِ في تاريخِنا العظيمِ وإسقاطِهِ، فهم ينطلقون عندَ الكتابةِ مِنْ نوايا سَيئةٍ، ومقاصدَ عَدائيةٍ، تَرمي إلى الطَّعْنِ والتشكيكِ في ثوابتِ هذه الأُمَّةِ، وإثارةِ الفِتَنِ والاستعداءِ بين أبنائها، فكيف يجوزُ لِمُسلمٍ أنْ يجعلَ هؤلاء وما يسطرونَ الواسطةَ بينه وبينَ تُراثِهِ ودينهِ وتاريخهِ؟!
وهذا لا يَعْنِي أنَّ كُلَّ المستشرقينَ سواء، فهم أصنافٌ شَتَّى:
- فمنهم مَنْ تعَمَّدَ التَّحريفَ والطَّعْنَ والتَّشْكيكَ؛ حِقْدًا وحَسَدًا، وكانتْ دَوافعُهُ الاستشراقيةُ عَدائيّةً احتلاليةً؛ لِنَهْبِ البلادِ وقَتْلِ العِبَادِ، وإيقافِ المَدِّ الإسلاميِّ الحضاريِّ (2)
¥