تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهي جيدة في الجملة

عنوانها ((ضوابط في معرفة السيرة))

ـ[الرايه]ــــــــ[11 - 12 - 06, 06:38 م]ـ

مراجعات في السيرة والتاريخ

ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة

د. محمد بن صامل السلمي

الأستاذ المشارك بقسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة ام القرى

((نشر هذا المقال في مجلة البيان العدد 159، ذو القعدة 1421هـ))

إن استخراج الدروس والعبر والأحكام من حوادث السيرة النبوية من أهم أهداف الدراسة لها وأعظم فوائدها؛ لكن هذا الأمر لا يستطيعه كل باحث أو قارئ للسيرة؛ لأنه يحتاج إلى مرجعية شرعية، وإلى ضوابط تضبط طريقة الاستنتاج، وبالنظر إلى مناهج الاستدلال والاستنباط عند علماء المسلمين؛ فإنه يمكن معرفة ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من خلال طريقهم في البحث والاستدلال وفقاً للخطوات الآتية:

1 - التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها: وذلك أن السيرة النبوية جزء من السنة النبوية التي هي أحد مصادر الأحكام الشرعية؛ فلا بد من التثبت من صحة الحادثة. ونجد أن العلماء يسلكون في منهج التوثيق لأحداث السيرة منهج علماء الحديث النبوي، لكنهم يفرِّقون في النتيجة بين الأحداث والوقائع التي تبنى عليها أحكام شرعية واعتقادية، وبين الأحداث التي لا تؤخذ منها الأحكام مثل الفضائل، وأخبار الحضارة والعمران، فيتشددون في الأولى ويتساهلون في النوع الثاني من الأخبار، كما رُوي ذلك عن الإمام أحمد، و ابن مهدي، و ابن المبارك [1]، وأمثالهم.

2 - بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد: وهذه هي الطريقة العلمية الصحيحة حيث يحيط الباحث بجميع الأخبار الواردة في الموضوع، بل يجمع الطرق والألفاظ لكل نص حتى يستطيع أن يخرج بحكم صحيح وتصور واضح، ويَعْرف المتقدم من المتأخر، والعام من الخاص، والألفاظ يفسر بعضها بعضاًَ، وبهذا يتمكن من الجمع بين النصوص والأخبار المتعارضة، أو ترجيح أحدهما على الآخر على وجه صحيح. مثال ذلك: لو احتج بعض الباحثين أنه لا يجوز الدعاء على الكفار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الصحابة رضي الله عنهم: ادع الله على ثقيف؛ قال: «اللهم اهدِ ثقيفاً» [2]. واحتج آخر بأنه لا يجوز الدعاء للكفار بل يدعى عليهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف» [3]، فكيف العمل؟ نقول: إن الحديث الأول ضَعّف بعض أهل العلم إسناده، لكن لمعناه شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قدم الطفيل وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله! إن دوساً قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس. فقال: «اللهم اهد دوساً وائت بهم» [4]. وبهذا نلجأ إلى الجمع بين الخبرين، فيقال: إنه يجوز في بعض الأحوال الدعاء للكفار الذين ترجى هدايتهم، ومن لا ترجى هدايته مع كثرة أذاه للمسلمين فيدعى عليه.

3 - معرفة حدود العقل في نقد الأخبار: المنهج النقدي الذي اتبعه العلماء المسلمون في نقد الأحاديث والأخبار النبوية يتناول نقد السند ونقد المتن، فلم يكتفوا بالنقد الخارجي للنص (نقد السند) وإنما نظروا إلى داخل النص، وقرروا ضوابط في نقد المتون منها: سلامة النص من التناقض، وعدم مخالفته للوقائع والمعلومات التاريخية الثابتة، وانتفاء مخالفته للأصول الشرعية، وعدم اشتماله على أمر منكر أو مستحيل ... إلخ [5].

ورغم تطبيقهم لمثل هذه المقاييس الدقيقة إلا أنهم يحترمون النصوص الثابتة سنداً، ويعرفون حدود العقل في نقد الأخبار، ويبتعدون عن المجازفات العقلية؛ فإن في أمور الشرع ما لا يستقل العقل بإدراكه؛ بل هو فوق طاقته؛ وذلك مثل البحث في كيفية الصفات الإلهية، وأمور الغيب، ودلائل النبوة ومعجزاتها؛ ولهذا يجب الوقوف عند النصوص الثابتة وعدم معارضتها بالمقولات العقلية، أو متابعة الفكر المادي والفلسفات الوضعية التي أشاعها المستشرقون ومن تأثر بهم؛ فقد أنكر بعضهم حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو شاب في بادية بني سعد، بينما الخبر ثابت في صحيح مسلم [6]، وقد أفادنا راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، ودخول الرسول صلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير