الله عليه وسلم العقد السادس من عمره أنه رأى أثر المِخْيَطِ في صدره صلى الله عليه وسلم. وهذا نص واضح يلغي أي محاولة لتأويل النص والقول بأنه تطهير معنوي.
4 - أحكام الدعوة خاضعة للنصوص الشرعية في الكتاب والسنة وليست خاضعة للتجارب:
وهذا أمر له أهميته؛ إذ إن الوسائل وإن كانت غير محدودة لها أحكام المقاصد؛ فكل وسيلة أفضت إلى محرم أو خالفت نصاً شرعياً فإنها محرمة. مثال ذلك:
لو استدل بعضهم بجواز زيارة كنائس النصارى ومشاركتهم في أعيادهم واحتفالاتهم وذلك من باب التأليف والدعوة لهم، أو إعطاء صورة حسنة عن تسامح المسلمين ونفي التشدد عنهم، وقال: هذه وسيلة مجربة ووجدت ناجحة؛ فهل هذا يكفي للاستدلال؟ وهل استدلاله صحيح؟
نقول: هذا لا يكفي في الاستدلال؛ وذلك أن تلك الوسيلة التي يقول إنها مجربة وناجحة وسيلة غير شرعية؛ لأنها أفضت إلى مخالفة نصوص شرعية تنهى عن الدخول على الكفار في أماكن عبادتهم التي يشركون فيها بالله، كما تنهى عن تهنئتهم بأعيادهم فضلاً عن مشاركتهم فيها [7].
5 - ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزول التشريع:
فمن المعروف أن الأحكام والتشريعات قد نزلت على مراحل وبالتدريج حتى استقرت واكتمل التشريع، وبوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وثبتت الأحكام؛ فمثلاً تحريم الخمر جاء على مراحل،
أولاً: بيان أن فيها إثماً كبيراً كما قال تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا] (البقرة: 219)،
ثم في مرحلة ثانية جاء النهي عن شربها قرب أوقات الصلوات، كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ] (النساء: 43)،
وثالثاً: جاء الأمر بتحريمها نهائياً وفي كل وقت، كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (المائدة: 90). وهذا هو الحكم الثابت والمستقر، وهو تحريم الخمر وأنها من الكبائر وأمُّ الخبائث.
ومن الأمثلة التي قد يطرحها بعض الناس ويجادل فيها: مسألة تغيير المنكر باليد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي لم يغير المنكر باليد، ولم يكسر شيئاً من أصنام المشركين في مكة؛ وحيث إن الدعوة قد يأتي عليها زمان وحالة من الضعف تشبه الحالة المكية؛ ولهذا فإنه يترك تغيير المنكر بحجة مشابهة الحال للحال.
نقول: إن هذا الاستدلال غير صحيح، ومعارض لنصوص شرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [8].
فتغيير المنكر كما نص عليه الحديث هو بحسب القدرة والتمكن من التغيير، ونص أهل العلم على ضابط في ذلك وهو ألاّ يترتب على تغيير المنكر المحدد منكراً أعظم منه [9]؛ فليست العلة في ترك تغيير المنكر لأجل النظر إلى المرحلية ودعوى مشابهة الحال بالعهد المكي، ولكنها عدم التمكن، ومن تمكن من تغيير المنكر بضابطه الذي ذكره أهل العلم فالواجب عليه القيام بذلك.
وكذلك الجهاد في سبيل الله قد جاء تشريعه على مراحل، واستقر الحكم على المرحلة الأخيرة وهي وجوب قتال الكفار كافة ابتداءاً وطلباً، ولكن هذا منوط بالقدرة عليه والتمكن منه، فلا يجوز إيقاف الجهاد وتعطيله بدعوى مشابهة الحال للعهد المكي الذي كان الجهاد فيه ممنوعاً كما قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ] (النساء: 77).
بل يجب على المسلمين الاستعداد وتكوين القدرة على الجهاد التي يحصل بها النكاية في العدو وحماية المسلمين من شره، وتتحقق بها أهداف الجهاد وغاياته.
¥