تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل يلزم تطبيق منهج المحدثين في الحكم على أسانيد كتب الأدب والتاريخ والقصص]

ـ[حميد الهلالي]ــــــــ[07 - 12 - 06, 06:49 م]ـ

المسألة خلافية بين الأءمة ولكل وجهة، والموضوع يحتاج إلى مناقشة وبحث، والذي عنده فائدة لا يبخل علينا، وأنقل لكم كلاما للشيخ الشريف حاتم العوني:

لقد كثرت في الدراسات الحديثة في علم السيرة والتاريخ والتراجم المطالبات بتصفيتها وتنقيتها، وجاءت هذه المطالبات على مناح شتى وتوجهات مختلفة. فكانت أصفى تلك المناحي، وأخلصها نيّة، وأصدقها سريرة، وآمنها على هذه العلوم المطالبة بتطبيق منهج المحدثين عليها، بدراسة أسانيدها وقبول ما قبلته الصنعة الحديثية، ورد ما ردته. وظهرت ثمرات هذه المطالبة في بحوث ومؤلفات عديدة، وكانت جهوداً مباركة، وفيها خير كثير، صوبت كثيراً من الأخطاء العلمية، ونقت بعض أهم المصادر مما كنا في حاجة إلى تنقيته فعلاً. لكن تبقى تلك الجهود جهوداً بشرية، معرضة للخطأ. والخطأ الجزئي فيها أمره يسير، وتداركه هين، لكنه إذا كان منهجيّاً، فإن أمره سيكون فيه خطورة، واستدراك نتائجه صعب.

وهنا أنبه أن المحدثين قد دلت أقوالهم وتصرفاتهم أنهم كانوا يفرقون بين ما يضاف من الأخبار إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وما يضاف إلى غيره، وما يضاف إلى غيره مما له علاقة بالدين وما لا علاقة له بالدين، بل لقد بلغ كمال علمهم إلى درجة التفريق بين ما يضاف إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- بعضه عن بعض، فلأحاديث الأحكام والعقائد منهج فيه اختلاف عن منهج التعامل مع أحاديث الفضائل والرقائق ونحوها، بل أحاديث الأحكام نفسها لهم منهج في التعامل مع الحديث الذي يكون أصلاً في بابه، والحديث الذي يعتبر من شواهد الباب، ولهم في جميع ذلك إبداعات تخضع لها العقول، ونفحات إلهام تشهد بأن علمهم علم مؤيد من الباري –سبحانه-.

فمن عيوب بعض الدراسات التي نوهت ببعضها آنفاً أنها كانت بحوثاً من غير المتخصصين في علم الحديث (ولا أقصد بذلك الشهادات والألقاب وإنما أقصد الحقائق)، فجاءت في بعض الأحيان غير مراعية لتلك الفروق في منهج التعامل التي كان المحدثون يراعونها، فخالفوا بذلك منهج الذين أرادوا تطبيق منهجهم!

ومن أصرح العبارات التي تدل على ذلك المنهج الحديثي، الباب الذي عقده الخطيب البغدادي في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 316 - 320) بعنوان: (ما لا يفتقر كتبه إلى إسناد) وقول الخطيب: (وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين، ومواعظ البلغاء، وحكم الأدباء فالأسانيد زينة لها، وليست شرطاً في تأديتها).

ثم أسند الخطيب إلى يوسف الرازي أنه قال: "إسناد الحكمة وجودها".

وأسند عن ابن المبارك أنه سئل: "نجد المواعظ في الكتب، فننظر فيها؟ قال: لا بأس، وإن وجدت على الحائط موعظة فانظر فيها تتعظ، قيل له: فالفقه؟ قال: لا يستقيم إلا بسماع".

ثم أسند الخطيب قصة رجل خرساني كان يجلس عند يزيد بن هارون فيكتب الكلام ولا يكتب الإسناد، فلما لاموه على ذلك قال: "أنا للبيت أريده لا للسوق"، فعلق الخطيب على ذلك بقوله: "إن كان الذي كتبه الخرساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ فلا بأس بما فعل، وإن كان من أحاديث الأحكام وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط إسناده؛ لأنها هي الطريق إلى تثبته، فكان يلزمه السؤال عن أمره والبحث عن صحته".

وفي هذا السياق أشير إلى قضية مهمة، ربما غفل عنها كثيرون، وهي أن لعلماء كل علم طريقتهم الخاصة في نقد علمهم، وفي الفحص عن صحة منقولهم ومعقولهم. ومن الخطأ الفادح أن نخلط بين معايير النقد المختلفة بين كل علم وآخر؛ لأن ذلك سيؤدي إلى هدم كل تلك العلوم!

وأضرب على ذلك مثلاً:

لو جئنا إلى الشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام، بل عموم دواوين الشعراء، خاصة في عصر الاحتجاج اللغوي، وأردنا أن نطبق عليها منهج المحدثين في نقد السنة هل سنزيد إلا أن نهدم لغة العرب، بأعظم مما أراد أن يهدمها به طه حسين!

ذلك أن لأئمة اللغة معاييرهم الصحيحة الكافية لنقد علمهم، ولهم طرائقهم لفحص المنقول من اللغة، وقد بذلوا في ذلك جهوداً عظيمةً، أدّوا بها الأمانة العظمى الملقاة على عواتقهم، خدمة للغة القرآن والسنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير