اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ، و من ذلك اختلفوا في بلده و قبيلته، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39): أن يعرب بن قحطان ولد يشجب، و ولد ليشجب (سبأ) و اسم سبأ هذا عبد شمس، و قد ملك اليمن بعد أبيه، و أكثر من الغزو والسبي، فسمي (سبأ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره، ثم أطلق الاسم على بنيه .. و هم الوارد ذكرهم في القرآن.
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً واضحاً عن أصل السبأيين، و الذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ، و من المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي (800 ق م)، و هي عادة العرب في التجوال، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال، واستقروا أخيراً في اليمن وأخذوا في التوسع. راجع: محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/ 21).
و منهم من ينسب ابن سبأ إلى (حمير)، و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر، و حمير الغوث هو حمير الأدنى و منازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء. أنظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (2/ 306).
ومن الذين قالوا بذلك: ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء (5/ 46)، حيث يقول: والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري.
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/ 240)، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20)، والفرزدق في ديوانه (ص 242 - 243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة (همدان)، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه. معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/ 1225). فهو (عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني) كما عند البلاذري، و (عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني) كما عند الأشعري القمي، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم ... حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية ... و تُكره عينيها على ما تنكّرا. الخ.
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235)، أن ابن سبأ من أهل (الحيرة)، قال: إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها، و كان أصله من يهود الحيرة، فأظهر الإسلام.
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 190)، أن أصل ابن سبأ من الروم، فيقول: و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله.
أما الطبري و ابن عساكر، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن. قال الطبري في تاريخه (4/ 340): كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء. و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 3): عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً.
و الذي أميل إليه و أرجحه هو: أن ابن سبأ من اليمن؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم نجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة (حمير)، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة (همدان)، إذ القبيلتان من اليمن، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى (الحيرة)،و ابن كثير الذي ذكر أنه (رومي) الأصل.
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ، فظن أنهما شخصان، يقول: و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه، إلى أن قال: فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس، نفاهما إلى المدائن، فافتتن بهما الرعاع. الفرق بين الفرق (ص 235).
¥