أما نسب ابن سبأ (لأمه) فهو من أم حبشية، كما عند الطبري في التاريخ (4/ 326 - 327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308)، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه (ابن السوداء) ففي البيان والتبيين (3/ 81): ( ... فلقيني ابن السوداء) و في تاريخ الطبري (4/ 326): (و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة)، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 122): (ولما خرج ابن السوداء إلى مصر)، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ، و لذلك قال المقريزي في الخطط (2/ 356): (عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 8) من قول علي رضي الله عنه: (من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء). و مثل هذا كثير ...
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه، وقع الخلط و تصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه، أن هناك شخصين: ابن سبأ، وابن السوداء، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/ 241): ( .. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط، و عبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر).
و يقول الاسفرايني في التبصرة (ص 108): (و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه).
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235): (فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن).
والذي يترجح من مناقشة الروايات: أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي، وأنه هو نفسه ابن السوداء، والله أعلم.
و مما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات، ذكر ابن عساكر في تاريخه (29/ 7 - 8): عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، و من طريق سلمة قال: سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي، قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، و جاء أيضاً من طريق زيد قال: قال علي بن أبي طالب: ما لي ولهذا الحميت الأسود، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر.
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء؟
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي (همدان) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده (ليفي ديلا فيدا) يمنع من أن يكون يهودياً. و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين (2/ 30): (استنتاج لا مبرر له، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية.
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف (ص 266) حيث يقول: (كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة.
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام (6/ 26).
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك، فهل هذا الانتساب لهمدان، انتساب على الحقيقة أم بالولاء؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية، و كانت يهودية سطحية، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية (الفلاشا) و هم يهود الحبشة، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية. مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/ 28).
¥