تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بينما يفهم من النص الآخر: أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر، بقوله: (أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام) تاريخ الطبري (4/ 340).

و يمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين، كانت الأولى سنة (30هـ)، و هي التي التقى فيها بأبي ذر، و كانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة (33هـ)، و هي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقاً، و لعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري.

كما و يمكننا الجمع أيضاً بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ)، و لكن لم يكن هو الذي أثر عليه و هيجه على معاوية، و يرجح هذا ما يلي:-

1 - لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء، و إنما كان ينكر على كل من يقتني مالاً من الأغنياء، و يمنع أن يدخر فوق القوت متأولاً قول الله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة/34].

2 - حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه، و اكتفى بقوله: (إن أبا ذر قد أعضل بي و قد كان من أمره كيت و كيت .. ). الطبري (4/ 283).

3 - ذكر ابن كثير في البداية (7/ 170، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق، و لم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها، و إنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة.

4 - ورد في صحيح البخاري (2/ 111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ، فعن زيد بن وهب قال: (مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا و فيهم، فكان بيني و بينه في ذلك، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ).

5 - و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر. الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/ 357) والإصابة لابن حجر (4/ 62).

6 - وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود.

ظهور ابن سبأ في مصر:-

على ضوء استقراء النصوص السابقة، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة (33هـ)، ثم أخرج منها إلى الكوفة، و من الكوفة استقر بمصر، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة (34هـ)، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 284)، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ)، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/ 164)، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ.

أحبتي في الله استكمالاً لما بدأناه من هذه الحلقات، سنقف إن شاء الله و على حلقتين متتاليتين، على ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة (السنية والشيعية، المتقدمة منها والمعاصرة)؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ، و ما ينسب إليه من أعمال، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث:-

أولاً: من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين ..

أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة:-

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير