و يخلص الماوردي في الأحكام السلطانية (ص30) إلى القول: بأن فرض الإمامة أو البيعة يكون فرض كفاية كالجهاد و طلب العلم، حيث إذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها عن كافة الناس.
بعد أن تولى علي الخلافة قام بعزل بعض الولاة و تعيين آخرين بدلاً عنهم، فعزل والي مكة خالد بن العاص، و عين بدله أبا قتادة الأنصاري مدة شهرين، ثم عزله و عين قثم بن العباس، و يبدو أن الرأي العام بمكة كان غاضباً لعثمان و تصاعد الغضب لكثرة النازحين من المدينة إلى مكة على إثر سيطرة الثوار على المدينة. تاريخ خليفة (ص178،201) و عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري (ص139 - 146)
و أرسل عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة والياً عليها بدلاً من عبد الله بن عامر واليها لعثمان، و كان قد ترك البصرة متجهاً إلى مكة. و قد انقسمت البصرة على الوالي الجديد، فمنهم من بايع و منهم من اعتزل و منهم من رفض البيعة حتى يقتل قتلة عثمان. سير أعلام النبلاء (2/ 322).
و أما مصر فكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد تركها متجهاً إلى عسقلان، فاستولى عليها محمد بن أبي حذيفة مدة عام كامل و واجه معارضة تطالب بالقصاص من قتلة عثمان، فلما قتل ولي عليها قيس بن سعد بن عبادة فتمكن من أخذ البيعة لعلي و هادن أهلها. مصنف عبد الرزاق (5/ 458) بسند صحيح إلى الزهري.
و أرسل علي إلى معاوية يطلب منه البيعة فرد عليه قائلاً: فإن كنت صادقاً فأمكنا من قتلة عثمان نقتلهم به ونحن أسرع الناس إليك. الأخبار الطوال للدينوري (ص162 - 163).
فإن قال قائل: إن علياً قد أخطأ في عزل جميع ولاة عثمان قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار. فالجواب: إن علياً رضي الله عنه إمام مجتهد له أن يعزل عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك، و قد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو المعصوم خالد بن سعيد بن أبي العاص على صنعاء و عمرو بن العاص على عمان، فعزلهما الصديق من بعده، و ولى الصديق خالد بن الوليد و المثنى بن حارثة، فعزلهما الفاروق من بعده،
و ولى الفاروق عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فعزلهما عثمان من بعده. تاريخ خليفة (ص97،102،122 - 123،155،178) و تاريخ الطبري (3/ 343) (4/ 241).
و هكذا فعل علي لما رأى المصلحة في ذلك؛ فهل ينتقد عاقل الصديق و الفاروق و ذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء!.
أما القول بأنه عزل جميع عمال عثمان، هذا غير صحيح فالعزل لم يتحقق إلا في معاوية في الشام و خالد بن أبي العاص في مكة، و أبي موسى الأشعري في الكوفة، على أنه أقره بعد ذلك. تاريخ الطبري (4/ 442) و تاريخ خليفة (ص201).
و أما البصرة فإن واليها خرج من نفسه، و في اليمن أخذ أميرها يعلي بن مُنية مال جباية اليمن و قدم مكة بعد مقتل عثمان و انضم إلى طلحة و الزبير و حضر معهم موقعة الجمل، و ابن أبي السرح خرج إلى فلسطين و مكث هناك حتى مات بعد أن تغلب ابن أبي حذيفة على مصر. تاريخ الطبري (4/ 421) و (4/ 450).
و هكذا فإن أميري اليمن و البصرة عزلا أنفسهما و أمير مصر عزله المتغلب عليها و أمير الكوفة أقره على منصبه فلم يرد العزل إلا في حق معاوية والي الشام و خالد والي مكة. و أما القول بأنه عزلهم قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار، قلت: إن تولية الإمام للعمال على الأمصار غير مشروط بوصول بيعة أهلها له، فمتى بايع أهل الحل و العقد، لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز الخلافة. و لو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة أبي بكر رضي الله عنه، لأنه تصرف بإرسال جيش أسامة و محاربة المرتدين قبل وصول بيعة أهل مكة و الطائف و غيرها من البلاد، و كذلك فعل الفاروق و ذي النورين فإنهما تصرفا في أمور المسلمين أيضاً قبل وصول بيعة الأمصار إليهما.
مقدمات معركة الجمل و ما سبقها من أحداث.
¥