تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي رضي الله عنه، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة، و أما عن طلب الزبير و طلحة من علي السماح لهما بالذهاب إلى البصرة و الكوفة لإحضار جند يقاتلون بهم قتلة عثمان رضي الله عنه، فهذا خبر لا يصح منه شيء؛ لأن طلحة و الزبير رضي الله عنهما كانا حريصين على إصلاح ذات البين و إطفاء نار الفتنة و منع إراقة المزيد من دماء المسلمين، كما سيأتي.

اجتمع طلحة والزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة رضي الله عنهم أجمعين بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل ذلك حديث الحوأب، - هو موضع قريب من البصرة، و هو من مياه العرب في الجاهلية و يقع على طريق القادم من مكة إلى البصرة، و سمي بالحوأب؛ نسبة لأبي بكر بن كلاب الحوأب، أو نسبة للحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية، انظر: معجم البلدان (2/ 314) – ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش على منطقة يقال لها الحوأب، فنبحت كلابها فلما سمعت عائشة هذا النباح، طرأ عليها حديثاً فقالت ما هذه المنطقة؟ قالوا هذه الحوأب، فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث روى أحمد و ابن حبان و الحاكم عن قيس بن حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحواب. فقال لها الزبير: ترجعين؟! - أي لا ترجعي لأنهم يحترمونك - عسى الله أن يصلح بك بين الناس. هذا لفظ شعبة، أما لفظ يحيى فقال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً، فنبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. السلسلة الصحيحة (1/ 846).

و قد أشكل حديث الحوأب على بعض الناس فردوه - منهم الإمام ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم (ص162)، و تابعه الشيخ محب الدين الخطيب في حاشيته على هذا الكتاب القيم (ص152) و هو حديث صحيح و لسان حالهم يقول: كان على عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب أن ترجع، و الحديث يدل على أنها لم ترجع و هذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين.

و قد أجاب الشيخ الألباني رحمه الله على هذا الإشكال فقال: ليس كل ما يقع من الكمّل يكون لائقاً بهم، إذ المعصوم من عصم الله و السنّي لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه، حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين، و لا شك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله و لذا همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، و لكن الزبير رضي الله عنه، قد أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس، و لاشك انه كان مخطئاً في ذلك أيضاً. السلسلة الصحيحة (1/ 854 - 855)، و قال ابن حجر عن الحديث: سنده على شرط الشيخين، انظر فتح الباري (13/ 59 - 60) و قال الهيثمي: رواه أحمد و أبو يعلى و البزار و رجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد (7/ 234) و صححه الألباني في الصحيحة ورد على من طعن في صحته و بين من أخرجه من الأئمة، انظر: الصحيحة (1/ 846 - 855).

هنا أدرك علي رضي الله عنه خطورة الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية،

فاستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل، و اعتزل الكثير من الصحابة هذه الفتنة، فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغوا تسعمائة رجل. تاريخ دمشق لابن عساكر (42/ 456).

و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج. مصنف ابن أبي شيبة (15/ 99 - 100) بإسناد حسن، و ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 456 - 457).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير