و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل، و هو أنهم قد خرجوا للإصلاح بين الناس. أنظر: استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص185).
فقدم على علي وفد الكوفه بذي قار فقال لهم: يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم،
و قد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن رجعوا فذاك الذي نريده، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم، و لن ندع أمراً فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى. البداية و النهاية لابن كثير (7/ 237).
و تذكر بعض الروايات أن أصحاب الجمل بعد أن خرجوا من مكة و اقتربوا من أوطاس: و هو سهل يقع على طريق الحاج العراقي إذا أقبل من نجد، و تبعد عن مكة (143كم) باتجاه الشمال الشرقي، انظر: معجم البلدان (1/ 281)، تيامنوا عنها و تركوا طريق البصرة و ساروا بمحاذاته حتى وصلوا البصرة.
و هذا الخبر لا يصح بحق أولئك الصحب الكرام، حيث إنه يصور أصحاب الجمل الذين خرجوا للإصلاح
بأنهم مجموعة من الخارجين على الخلافة، و أن خوفهم من علي رضي الله عنه قد دفعهم إلى الابتعاد عن سلوك طريق البصرة لكي لا يلحق بهم. و بدراسة خط سير أصحاب الجمل من مكة إلى البصرة، اتضح أنهم سلكوا طريق البصرة و لم يحيدوا عنه كما زعمت الروايات.
و بيان ذلك كما يلي:-
أ- ذكرت الروايات أن أصحاب الجمل حين وصلوا - أوطاس - تيامنوا عنها و تركوا طريق البصرة و ساروا بمحاذاته.
و هذا الخبر فيه تلبيس يوهم أن أصحاب الجمل قد تركوا طريق البصرة، بينما حقيقة الأمر أن من أراد البصرة و كان خارجاً من مكة تيامن من عند - أوطاس - كما فعل أصحاب الجمل، و من أراد الكوفة تياسر عنها، حيث إن طريقي البصرة و الكوفة يأخذان بالتفرع يميناً و يساراً من بعد - أوطاس -.
ب- ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد أن كلاب الحوأب نبحت على عائشة رضي الله عنها حين بلغت ديار بني عامر.
و بنو عامر هؤلاء بنو عامر بن صعصعة، و الحوأب ماء من مياه العرب يقع على طريق البصرة و هو من مياه بني بكر بن كلاب، و بنو كلاب هؤلاء بطن من عامر بن صعصعة، انظر: معجم البلدان (1/ 314). و حيث إن بني كلاب كانوا يسكنون – ضَرِيَّة، انظر: كتاب المناسك للحربي (ص612)، و معجم البلدان (3/ 457) -، فإن هذا يعني أن الحوأب تقع في - ضرية -، و حيث إن - ضرية - تقع على طريق الحاج البصري، انظر: كتاب المناسك للحربي (ص594)، فإن ذلك يعني أن أصحاب الجمل قد سلكوا الطريق المعتاد بين مكة و البصرة و لم يحيدوا عنه كما زعمت الروايات. أنظر حول هذا الموضوع مع نقد الروايات في ذلك: كتاب استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص166 - 168).
معركة الجمل، و دور السبئية في إشعالها.
كان جيش مكة قد وصل خلال تلك الفترة إلى البصرة فأرسل عثمان بن حنيف رضي الله عنه و هو والي البصرة من قبل علي إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان الجواب: إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم و أحدثوا فيه الأحداث و آووا فيه المحدِثين و استوجبوا فيه لعنة الله و لعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل أمير المسلمين بلا ترة و لا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه و انتهبوا المال الحرام و أحلوا البلد الحرام و الشهر الحرام، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم و ما فيه الناس وراءنا، و ما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، و قرأت {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء /114]، ننهج في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل و أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به و نحضكم عليه، و منكر ننهاكم عنه و نحثكم على تغييره. تاريخ الطبري (4/ 462)، من طريق سيف بن عمر.
اتجه بعدها جيش مكة نحو بيت المال و دار الرزق فاعترضهم حكيم بن جبلة أحد الثوار المشاركين في حصار الدار بالمدينة و معه سبعمائة من قومه و جرت معركة قتل فيها حكيم بن جبلة، و خرج عثمان بن حنيف من البصرة و لحق بعلي رضي الله عنه. تاريخ الطبري (4/ 468،471).
¥