ولم يثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه، أنهم ضربوه و نتفوا شعر وجهه رضي الله عنه، و الصحابة الكرام رضي الله عنهم يتنزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة. و هذه من روايات أبي مخنف الكذاب. انظر: مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص258).
و حين عسكر جيش على بذي قار أرسل عبد الله بن عباس إلى طلحة و الزبير يسألهما: هل أحدث ما يوجد السخط على خلافته، كحيف في حكم أو استئثار بفيء؟ أو في كذا؟ فقال الزبير: ولا في واحدة منها. فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 596) بسند صحيح و ابن أبي شيبة: المصنف (15/ 267) بتصرف يسير.
و بالجملة فعائشة و طلحة و الزبير رضي الله عنهم إنما خرجوا قاصدين الإصلاح، و جمع كلمة المسلمين
و ما رافق ذلك من قتال و حروب فلم يكن بمحض إرادتهم و لا قصداً منهم، و إنما أثير من قبل السبئية
و أعوانهم من الغوغاء، و لم يكن الإصلاح هدف طلحة و الزبير و عائشة وحدهم، بل إن علياً أيضاً لم ير في مسيره إليهم إلا الإصلاح و جمع الكلمة، و على العموم لم ير علي و طلحة و الزبير و عائشة رضوان الله عليهم أمراً أمثل من الصلح و ترك الحرب، فافترقوا على ذلك، و إنه لموقف رائع من طلحة و الزبير رضي الله عنهما، و هو لا يقل روعة عن موقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فكل منهم قبل الصلح و وافق عليه، و كل منهم كان يتورع أن يسفك دماً أو يقتل مسلماً.
و لا يمكن أن يفهم عاقل يقف على النصوص السابقة أن زعماء الفريقين هم الذين حركوا المعركة و أوقدوا نارها، و كيف يتأتى ذلك و كلا الطرفين كانت كلمة الصلح قد نزلت من نفوسهم و قلوبهم منزلاً حسناً، و لكنهم قتلة عثمان أصحاب ابن سبأ عليهم من الله ما يستحقون هم الذين أشعلوا فتيلها و أججوا نيرانها حتى يفلتوا من حد القصاص.
و قد يسأل سائل لماذا سمح علي رضي الله عنه لأهل الفتنة بالبقاء معه في جيشه و لم يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة؟!
كان سبب إبقاء علي على أهل الفتنة في جيشه أنهم كانوا سادات في أقوامهم، فكان علي يرى أن يصبر عليهم إلى أن تستقر الأمور.
وقد أجاب عن ذلك الإمام الطحاوي في شرح العقيدة شرح الطحاوية (ص483) بقوله: و كان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان، من لم يُعرف بعينه و من تنتصر له قبيلته، و من لم تقم عليه حجة بما فعله، و من في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله.
و على كل حال كان موقف علي رضي الله عنه، موقف المحتاط منهم، المتبرئ من فعلهم، و هو و إن كان لم يخرجهم من عسكره فقد كان يعاملهم بحذر و ينظر إليهم بشزر، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه (4/ 445): بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام – يقصد مسيره لحرب صفين -، حيث دعا ولده محمد بن الحنفية و سلمه اللواء و جعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قائد الميمنة و عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه على الميسرة و جعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح و استخلف على المدينة قثم بن العباس رضي الله عنهم.
و هذه بادرة منه رضي الله عنه ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين، و يثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم، فقد كان له في المسلمين الموالين له و المؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم و التودد إليهم؛ و هذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك، و هو كافٍ في عذره لأنهم مئات و لهم قرابة و عشائر في جيشه، فما يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة، كما حصل ذلك لطلحة و الزبير و عائشة بالبصرة حين قتلوا بعضاً منهم، فغضب لهم قبائلهم و اعتزلوهم. إفادة الأخيار ببراءة الأبرار للتباني (2/ 52).
¥