و أخرج الشافعي في الأم (4/ 308) من رواية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: دخلت على مروان بن الحكم، فقال: ما رأيت أحداً أكرم من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبراً و لا يذفف على جريح. و أورده الحافظ في الفتح (13/ 62).
و كان علي رضي الله عنه يطوف على القتلى و هم يدفنون، ثم سار حتى دخل البصرة فمر على طلحة
و رآه مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول: عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري و بجري - أي همومي وأحزاني - و بكى عليه و على أصحابه. تاريخ دمشق (25/ 115) و أسد الغابة لابن الأثير (3/ 88 - 89).
بعدها ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها فقال لها: غفر الله لكِ، قالت: ولك ما أردت إلا الإصلاح بين الناس. شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/ 206). و نقل الزهري في المغازي (ص154) قولها: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال، و لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً. و هذا هو الصحيح بخلاف من قال بأن عائشة نزلت في بيت عبد الله بن خلف الخزاعي.
ثم قام علي بتجهيز عائشة و إرسالها إلى مكة معززة مكرمة، و هذا الفعل من علي رضي الله عنه يعد امتثالاً لما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخرج الإمام أحمد في المسند (6/ 393) بسند حسن من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنه سيكون بينك و بين عائشة أمر، قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها.
و أخرج الحاكم في المستدرك (3/ 119) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة رضي الله عنها فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها.
و كان خروج عائشة رضي الله عنها يوم الجمل يعتبر زلة عن قصد حسن و هو الإصلاح، و قد ندمت على ذلك، و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها زوجته في الجنة كما في المستدرك و قال عمار: والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة، كما في الصحيح بهذا المعنى. و بهذين الدليلين و بوصف الله لها في القرآن بأنها طيبة، تنقطع ألسنة الروافض الطاعنين في صحابة رسول الله و منهم أم المؤمنين رضي الله عنها. الصحيح المسند من دلائل النبوة للشيخ مقبل الوادعي (ص417) في الهامش.
و كانت رضي الله عنها إذا قرأت {و قرن في بيوتكن} [الأحزاب/33] بكت حتى يبتل خمارها، و كانت حينما تذكر الجمل تقول: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، و في رواية ابن أبي شيبة: وددت أني كنت غصناً رطباً و لم أسر مسيري هذا. سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 177) و مجمع الزوائد للهيثمي (7/ 238) و ابن أبي شيبة في المصنف (15/ 281).
و العقل يقطع بأنه لامناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى،
و لاشك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة؛ لأسباب كثيرة و أدلة واضحة، منها ندمها على خروجها، و ذلك هو اللائق بفضلها و كمالها، و ذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور.
قال الإمام الزيلعي في نصب الراية: و قد أظهرت عائشة الندم كما أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن أبي عتيق - عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - قال: قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً غلب عليك – يعني ابن الزبير – فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت. قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة: و لهذا الأثر طرق أخرى، فقال الذهبي في السير: عن قيس قال: قالت عائشة، و كانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها فقالت: إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها. قلت – أي الذهبي -: تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية و تابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة، قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة و الزبير و جماعة
¥