4 - قياساً بعدد شهداء المسلمين في معركة اليرموك - ثلاثة آلاف شهيد، تاريخ الطبري (3/ 402) - و معركة القادسية - ثمانية آلاف و خمسمائة شهيد، تاريخ الطبري (3/ 564) - و هي التي استمرت عدة أيام، فإن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل يعد ضئيلاً جداً. هذا مع الأخذ بالاعتبار شراسة تلك المعارك و حدتها لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم.
5 - أورد خليفة بن خياط في تاريخه (ص187 - 190) بياناً بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل، فكانوا قريباً من المائة. فلو فرضنا أن عددهم كان مائتين و ليس مائة، فإن هذا يعني أن قتلى معركة الجمل لا يتجاوز المائتين. و هذا هو الراجح للأسباب و الحيثيات السابقة و الله أعلم بالصواب. أنظر حول هذا الموضوع كتاب: استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص214 - 215).
و هذا العدد مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت. السلسلة الصحيحة (1/ 853).
حال ابن سبأ و مصيره بعد هذه الأحداث.
تعددت الروايات في ذكر مصير عبد الله بن سبأ، هل أحرق مع أصحابه؟
أم أنه نفي مع من نفي إلى سباط في المدائن؟
أقول: الراجح والله أعلم و هو الذي أعتقده، أنه نفي إلى سباط، و مات هناك؛ و الأدلة على ذلك كثيرة جداً، و هاك مختصرها:-
أولاً: الأدلة على كون علي أحرق جماعته، دون ذكر لحرق ابن سبأ معهم:-
إن خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة السبئية، تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند. أنظر خبره معهم عند البخاري في صحيحه (4/ 21)، (8/ 50)، و أبو داود في سننه (4/ 520)، و النسائي (7/ 104)، و الترمذي (4/ 59) و الحاكم في المستدرك (3/ 538 - 539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 822).
فقد ذكر الإمام البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس قال أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله) و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه). البخاري مع الفتح (12/ 279).
ذكر الجُوزَجَاني في أحوال الرجال (ص37 - 38)، و ابن حجر في الفتح (12/ 270) بإسناد حسن: أن السبئية غلت في الكفر، فزعمت أن علياً إلهاً، حتى حرّقهم بالنار إنكاراً عليهم، و استبصاراً في أمرهم حين يقول:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري و دعوت قنبرا.
يقول ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص78 - 79)، و في المعارف (ص 267): إن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي، فأحرق علي أصحابه بالنار.
قال ابن حجر في لسان الميزان (3/ 389 - 390): عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ... ، و يقول عن طائفته: وله أتباع يقال لهم السبئية، معتقدون الألوهية في علي بن أبي طالب، و قد أحرقهم علي بالنار في خلافته.
يقول ابن حزم في الفصل في الملل والنحل (4/ 186): و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ ... إلى أن قال: فقالوا مشافهة أنت هو، فقال لهم و من هو؟ قال: أنت الله، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت و أحرقهم بالنار.
و يؤكد الفخر الرازي كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية. انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57).
ثانياً: الأدلة على كون علي أحرق جماعته، و أحرق ابن سبأ معهم:-
ذكر المامقاني في تنقيح المقال (2/ 184): أن علياً حرّق عبد الله بن سبأ في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه الإلهية والنبوة.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 426): أحسب أن علياً حرّقه – يقصد عبد الله بن سبأ – بالنار. و هو هنا لا يجزم بذلك بل وضعه موضع الشك.
¥