ليث بن أبي سليم: عن نافعٍ، قال: لَمَّا قُتِلَ عثمان، جاء عليٌّ إلى ابن عمر، فقال: إنك محبوب إلى الناس، فَسِرْ إلى الشام، فقال: بقرابتي وصحبتي والرحم التي بيننا. قال: فلم يعاوده.
* ابن عُيَيْنة: عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: بعث إليَّ عليٌّ، فقال: يا أبا عبدالرحمن! إنك رجل مطاع في أهل الشام، فَسِرْ فقد أمَّرتُك عليهم. فقلتُ: أُذَكِّرك الله، وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني، فأبى عليّ. فاستعنت عليه بحفصة، فأبى. فخرجتُ ليلا إلى مكة، فقيل له: إنه قد خرج إلى الشام. فبعث في أثري، فجعل الرجلُ يأتي المربد، فيخطم بعيره بعمامته ليدركني. قال: فأرسلت حفصةُ: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة. فسكن.
* الأسود بن شيبان: عن خالد بن سمير، قال: هرب موسى بن طلحة من المختار، فقال: رحم الله ابن عمر! إني لأحسبه على العهد الأول لم يتغير، والله ما استفزته قريش. فقلت في نفسي: هذا يزري على أبيه في مقتله. وكان عليّ غدا على ابن عمر، فقال: هذه كُتُبنا، فاركب بها إلى الشام، قال: أنشدك الله والإسلام. قال: والله لتركبن. قال: أذكرك الله واليوم الآخر. قال: لتركبن والله طائعا أو كارها.
قال: فهرب إلى مكة.
قلت (صلاح الدين):
وفي تولية عليّ لابن عمر الشام دلالة على دخوله في البيعة وعدم المعارضة، فقد كان رضي الله عنه كارهاً الإمارة ولو على إثنين، وهذا ما حدث مع عثمان رضي الله عنه،فقد امتنع ابن عمر عن تولي القضاء لعثمان، فقد أخرج أحمد في المسند (1/ 66رقم 477):
حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا أبو سنان عن يزيد بن موْهَب:أن عثمان رضي الله عنه قال لابن عمر رضي الله عنه:اقض بين الناس، فقال لا أقضي بين اثنين ولا أؤمّ رجلين، أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"مَنْ عاذَ بالله فقد عاذَ بمعاذٍ؟ "
قال عثمان رضي الله عنه: بلى، قال: فإني أعوذ بالله أن تستعملني، فأعفاه وقال؛ لا تخبر بهذا أحداً. (قال الشيخ شاكر: في إسناده بحث ... )
وفي ذلك يقول الذهبي في السير (3/ 235):
فرضي الله عن ابن عمر وأبيه. وأين مثلُ ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألُّهِهِ وخوفه، من رجلٍ تُعْرَضُ عليه الخلافةُ، فيأباها، والقضاءُ من مثل عثمان، فيردُّه، ونيابةُ الشام لعليٍّ، فيهربُ منه.
* ابن حبان في كتاب الثقات (1/ 215):
قال أبو حاتم: لما كان من أمر من عثمان ما كان قعد عليّ في بيته وأتاه الناس يهرعون إليه كلهم يقولون: أمير المؤمنين عليّ، حتى دخلوا عليه داره وقالوا: نبايعك، فإنه لا بد من أمير وأنت أحق، فقال عليّ: ليس ذلك إليكم، إنما ذلك لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى علياً يطلبون البيعة وهو يأبى عليهم، فجاء الأشتر مالك بن الحارث النخعي إلى عليّ فقال له: ما يمنعك أن تجيب هؤلاء إلى البيعة؟ فقال: لا أفعل إلا عن ملأ وشورى، وجاء أهل مصر فقالوا: ابسط يدك نبايعك، فوالله! لقد قتل عثمان، وكان قتله لله رضى! فقال عليّ: كذبتم، والله ما كان قتله لله رضى! لقد قتلتموه بلا قود ولا حد ولا غيره؛ وهرب مروان فطلب فلم يقدر عليه، فلما رأى ذلك عليّ منهم خرج إلى المسجد وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: يا أيها الناس! رضيتم منى أن أكون عليكم أميراً؟
فكان أول من صعد إليه المنبر طلحة فبايعه بيده وكان إصبع طلحة شلاء فرآه أعرابي يبايع فقال: يد شلاء وأمر لا يتم فتطير عليّ منها وقال: ما أخلفه أن يكون كذلك، ثم بايعه الزبير وسعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم بلغ عليا أن سعدا وابن عمر ومحمد بن مسلمة يذكرون هنات فقام عليّ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه فقال: أيها الناس! إنكم بايعتموني على ما بايعتم عليه أصحابي، فإذا بايعتموني فلا خيار لكم عليّ وعلى الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، فمن ردها رغب عن دين المسلمين واتبع غير سبيلهم، ولم تكن بيعته إياى فلتة، وليس أمرى وأمركم واحداً، أريد الله وتريدونني لأنفسكم، وأيم الله لأنصحن الخصم ولأنصفن المظلوم ...
** قال أبو بكر ابن العربي في " العواصم من القواصم " ص146::
¥