وكانت سيادة بني لام نجد كلها.
ثم أستطاع عبد الرحمن بن عبد الوهاب من استرجاع بيشة واستقر في بلدة الحيفة التي كانت حاضرة قبائل بيشة حينذاك ولمت القبائل النجدية شملها ووحدت صفوفها لمعاودة الهجوم على بيشة ومحاربة عبد الرحمن بن عبد الوهاب فأسرع اليهم وهم بأطراف ضلفع في مكان يسمى الأجزاع وكانت معركة فاصلة تمكن عبد الرحمن من إحراز النصر ودحر خصومه فتجمعت فلولهم في بطن (الرشا) و (الوسيل) بقيادة مناحي بن سالم الهيض المغيري ليعيدوا الهجوم ويأخذوا بالثأر مما لحق بهم فسار إليهم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بمن معه فشتت جمعهم وفرز قوة من جيشه من آل خالد وآل جبر وآل سرحان وآل داود وبني زيد ومن أكلب وخثعم لقارب الثلاثة آلاف بقيادة سعد بن نمران الرمثي ورمث لقب ل (عوف) بن حسر بن سعد بن مالك بن النخع وسمي بنو عوف الرمثيين ومشيختهم في آل شكبان.
ولم يعد من هذه القبائل إلى موطنها في بيشة إلا القليل وأما الباقي فقد استوطن نجداً.
فقال عبد الرحمن قصيدةً مفتخراً بقوته وشجاعة القبائل التي كانت بجانبه ومندداً بفعل تلك القبائل المعتدية.
أرى ماذا أرى؟ أني نظرتُ * غبارٌ مائجٌ يَحْدُوهُ صَوْتُ
تحدَّرَ هلْ رأيتَ السَّيْلَ يمضي * كأَنَّ الصخرَ من جبلٍ؟ يُفَتُّ
وغطى الأفْقَ إقْتَارٌ كثيفٌ * وفيه روعةٌ تَدْوي وبَغْتُ
كأنَّ الليلَ أظلَمَ لا نجومٌ * وفي ظلماتِهِ يَشْتَدُّ مَقْتُ
وحدَّقَتِ العيونُ فبانَ حَشدٌ * وأوضَحَ بَرْقُهُ ما قد شَهِدْتُ
فيا للهولِ جيشٌ لا يُجارى * فدعْ لومي فإنّي قد بُهِتُّ
تراءى كالسَّرابِ لكلَّ ظامٍ * لَهُ في القلبِ هَمْهَمَةٌ وخَفْتُ
وَأقبل كلُّ مافي الأفق أضحى * يدُلُّ على الضراوةِ أو يَمُتُّ
دَنَا من أرضنا يُبْدي اندفاعاً * كأنَّ الغيثَ شُؤْبُوبٌ يَصُتُّ
وزمجرَ رعدُهُ فازدادَ خوفٌ * طواه في حنايا النفس كَبْتُّ
أصخْ تسمعْ هديراً في هديرٍ * كأنَّ صداهُ في طورٍ يَعُتُّ
وصيحاتُ الرجال ِ بكلّ حدبٍ * وقعقعةٍ يصَدّرُها المِرنتُ
سنابكُ جلجلت وعلا صهيلٌ * وأضراسٌ تضرُّ وزادَ كتُّ
أتى من شرقِ مربضنا مغيراً * وفي وثباتهِ حنقٌ وحَرْتُ
بكلكلهِ ترامى في اندفاعٍ * كما تشتدُّ في الإقبالِ نعتُ
ويهدمَ كلّ رُكْنٍ من حِمانا * وما لفعالِهِ في القولِ نَعْتُ
التقيناهُ بجمعٍ مثل سيلٍ * وطوَّقْناهُ حتى انهارَ مَحْتُ
وفي قبضاتنا بيضٌ تبارت * بقطف الهام حتى حُمَّ شختُ
أعارضٌ ممطرٌ شوباً وصتماً * أم الفرسانُ: مقدامٌ وصلتُ
وقد عرُمَ الصراعُ كأنّ حشداً * تشابكَ صيدُهُ واشتدّ هرْتُ
صليناهُمْ مُثقفَةً طِوالاً * ورُدِيناتٍ في صَخبٍ تصُتُّ
بنو خلفٍ تنادوا واستعانوا * بخالقِهِمْ وخصمهم يشتُ
ومثل الشهبِ ينقضون عزماً * وقد شدُّوا بما عزمُواوعتوا
وسنحانٌ حميتُهُم دليلٌ * على أقدامِهمْ إن طابَ نَعتُ
وصيحاتٌ لنا أخذَتْ تُدوَّي * وآلُ شنوءةٍ هبُّوا وبتُّوا
وقحطانٌ وَيَامٌ قد تَنادَوْا * لحِلفٍ فيه قُوَّةُ ما رجوتُ
تَحَزّبَ من بني حِجْرٍ رِجالٌ * وفي قبضاتِهِمْ سيفٌ وحَرْتُ
وزهرانٌ وغامِدٌ قد رجونا * بِهِمْ كَشْفَ الكُروب كما عَهِدْتُ
وفي سُمْرِ اللدان حمت دِياراً * بها في الخَصمِ تبكِيتٌ وهتُّ
ندافعُ فيهم خصماً تحدى * فعادَ بخزيِه وعَرَاهُ سبتُ
فخاطب من يُعادينا تعقل * إذا جيشٌ تحدانا نشتُ
وقل لبني عقيل قُل للامٍ * أتحسبُوا كل بارقةٍ تلتُّ
وأنذر وائلاً ومن اصطفاها * سنصليهم مُغلغلةً تأتُّ
وفرسانٌ على الصهواتِ تزهو * بأسيافٍ لها فريٌ وشتُّ
ومن نجدٍ مغيرٌ قد تَمَدَّى * فأجْلوهُ ولفتهُ السبرتُ
وفي أعراضِ بِيشةَ عيريهُ * رِماحٌ لم تفد واشتد كبتُ
وكانت قبلها تهتزُّ عُجباً * وتزهُو بالفخَارِ بمن فريتُ
فآب بمصرعٍ وثوى بعيداً * فلا أهلٌ هناكَ فما عَرَيتُّ
جيادُهُم تمارت في سُرُوجٍ * وما لبت مطالِبَ من يَرُتُّ
ومِن صَهَواتِها مالت كُماةٌ * تَضُمُّ التراب أو فيهِ تلتُ
إذا ما استنجدتْ لاقت رُغاماً * فما أجدى وللحسراتِ صوتُ
وبيضُ الهندِ في أنفٍ جفتهم * وحالَفتِ الكرامَ وَمَن حَبوْتُ
إذا ما ذلَّ قومي كما رَفَأتُ * لهم صِدْعاً وإن عزُّوا عَزَزْتُ
أطاحتْ زيدُنا هامَ المغيري * ونهدٌ كم لها في الحَربِ صَمتُّ
وفي يوم الوسيل سقتهُ صاباً * رماحٌ من مقابضنا تَبُتُ
وفي بطنِ الرشا قد مَزَّقتهُ * جموعٌ في قيادتِها نَهَدْتُ
أما يكفي كنانةَ ما أصيبُوا * بأرضِ حُباشةٍ واشتدَّ سأتُ
فكنتُ لهم بِمرصادٍ بقومِي * أقارعُهُمْ وجمعُهُم سحَقتُ
فإن يطمع حَرامي بأمرٍ * لهُ في مَكّةٍ عونٌ يمُتُّ
فلن تلقى بقومي أي ذُلَّ * إذا هبوا بنخوتهم نهدتُ
وفي الشعراء كم خلفتُ صَرعَى * لباهِلةٍ وناب القوم مقتُ
وخفَّ الشارِدُون لكل أرضٍ * وكل خريمةٍ واشتدَّ كتُ
ونادى الأهلُ قد كُنتم حُمَاةُ * لنجدٍ والسُّيوفُ لهن بتُ
فما لكم خنعتم واستطبتم * فراراً كلهُ جُبنٌ وشتُّ
عسيرُ هذهِ خطمُ العوادي * إذا ما البذلُ قد هاجت هَلَبتُ
¥