توسع الشاه إسماعيل في أرجاء إيران بعد أن تتبع ملك دولة آق قونيلو، فذهب إلى جنوب تبريز إلى مدينة همدان وهزم مراد بيك أمير قبائل آق قونيلو، الذي فر إلى شيراز ([16]) واستولى عليها، وقضى على دولة التركمان السنية في إيران وذلك سنة 909هـ ([17])، واستولى على فارس وكرمان وخزستان "عربستان" ومازندران واستراباد ([18]).
بعد ذلك توجه الشاه إسماعيل إلى جهة الشرق إلى خراسان واستولى عليها سنة 916هـ، واستولى على مدينة مشهد. وفي نفس السنة توجه إلى مرو شمال شرق إيران وذبح أكثر من عشرة آلاف من سكانها من أهل السنة ([19]).
ثم حاول أن يمتد إلى بلاد الأوزبك سنة 918هـ، وأرسل أحد قواده ولكنه انهزم وقتل قائده وضعفت جبهته في هذه المنطقة وهجم عليه الأوزبك وكادوا يستردون خراسان ولكن الشاه إسماعيل استردها.
دخول الشاه إسماعيل العراق واستيلاءه على بغداد
من المعلوم للجميع أن بغداد عاصمة الدولة العباسية سقطت بيد المغول سنة 656هـ، وبعدها حكم العراق المغول وسميت دولتهم الاليخانية إلى أن تسلم الجلائرين دويلتهم "قرا قونيلو" ثم "آق قونيلو" التي بدأ حكمها منذ سنة 806هـ، وكان آخر حكامها سلطان مراد الذي حكم سنة 903هـ، وفي سنة 914هـ اراد الشاه إسماعيل احتلال بغداد فأرسل قائده حسين بك لاله، وانهزم والي بغداد "باريك"، وقد استبشر "نقيب النجف" محمد كمونة بعد أن كان والي بغداد "باريك" قد حبسه لأنه كان ينتظر الشاه، ويؤمل أهلي بغداد والعراق بأن الشاه إسماعيل سلطان عادل.
دخل حسين لاله بغداد دون قتال وأخرج محمد كمونة من السجن ورحب به وعظمه، وذهبا هو والوالي إلى الشاه إسماعيل ليبشروه بفتح بغداد ([20]).
دخل الشاه إسماعيل بغداد وكرم محمد كمونه وأعلى مقامه ثم زار كربلاء والنجف وأكرم أهلها وعمرها بالذهب والفرش والسجاد الثمين. ثم أدب بعض عشائر الجنوب. هذا خلاصة أعماله في العراق.
وعودة إلى ما فعله الشاه إسماعيل في بغداد، فأهل بغداد لم يقاوموا الشاه لأن محمد كمونه أخبرهم بعدله وكان لاضطراب الأوضاع في زمن "آق قونيلو" يؤملهم بظهر حاكم جديد ينقذهم مما هم فيه، ولكن الشاه إسماعيل أمر قائده حسين لاله بتهديم مدينة بغداد وقتل أهل السنة والصلحاء، وتوجه إلى مقابر أهل السنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم. وبدأ يعذب أهل السنة سوءالعذاب ثم يقتلهم، وهدم قبر أبي حنيفة وعبد القادر ونكل بقبر أبي حنيفة ونبش قبره ([21]). وقتل كل من ينتسب لذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد لمجرد أنهم من نسبه وقتلهم قتلة قاسية ([22]).
وقد أرخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثة حتى قال ابن شدقم "الشيعي" في كتابه "تحفة الأزهار وزلال الأنهار": "فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور".
هكذا يسمي أهل السنة النواصب، بمجرد أنهم لا يؤمنون بعقائد الشيعة فهم نواصب يستحقون القتل ([23]).
وقد فر كثير من سنة بغداد، وممن هرب الأسرة الكيلانية بعد أن خرّب الشاه إسماعيل قبر عبد القادر، فر هؤلاء إلى الشام ومصر وحكوا للعالم الإسلامي ما فعل الصفويون الشيعة ببغداد وأهلها ([24]).
وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة على أخباره السابقة عن تشييع أهل السنة بإيران وقتل الآلاف المؤلفة، بل جسر إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية. لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، لذا قرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي:
1 - أرسل السلطان سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي، وكان السلطان سليم يكلمه بغلظة.
2 - طهر بلاد تركيا من الشيعة التابعين للشاه الصفوي.
ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السير بالجيش بقيادته مستعيناً ببقايا أسرة "آق قونيلو"، وأراد الشاه إسماعيل تأخير الحرب لفصل الشتاء كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً.
¥