[تفسير التاريخ]
ـ[محمد السعيدي]ــــــــ[07 - 01 - 07, 02:28 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[تفسير التاريخ]
اعتنى فلاسفة الغرب في مطلع النهضة الحديثة بتفسير التاريخ استجابة لمسلمة مفادها: أن التاريخ يتغير وفق قواعد دقيقة وحين نفهم هذه القواعد نستطيع بشكل أو بآخر أن نسير التاريخ بدلا من أن نسير فيه.
وحظيت التفسيرات المتباينة للتاريخ باستجابات متباينة أيضا من القوى الحاكمة في الغرب عانى العالم وما زال يعاني جراء الحماس للسير وفقها بالرغم من أن واحدة منها لم تستطع أن تثبت أمام التجريب على الواقع أو التطبيق على الماضي
ولن أكون مجازفا إذا قلت إن ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من ويلات الغرب ما هو إلا ثمرة فاسدة من ثمار السير وراء نظرية صراع الطبقات لكارل ماركس أو نظرية السوبرمان لنيتشة أو نظرية الانتقاء لدارون أو غيرها من النظريات التي لا يمكن لصانع سياسة غربي إلآ أن يكون متمدرسا في إحداها.
ثم ماذا عنا نحن المسلمين؟ أليس لدينا تفسير للتاريخ نستطيع من خلاله على أقل تقدير أن نفهم من خلاله واقعنا أو ندرأ به عن أنفسنا؟
بلى لدينا تفسير للتاريخ وليس هو نظرية كما هو الحال عند الغرب بل حقيقة مسلمة ولكنها وللأسف غائبة أو مغيبة عن أذهاننا , ومن أظهر خصائصها أن المخاطب بها ليس القادة والحكام وصناع السياسات الدولية ألذين يتوجه الخطاب إليهم في النظريات الغربية بل المخاطب بها الإنسان أيا كان محله , وأيا كان جنسه , إن الإنسان باعتباره عبدا لله سبحانه وتعالى اختيارا أو اضطرارا مسئول في نظر الإسلام عما يصيب الأمة من نعم أو ما يجري عليها من ويلات.
فخلق الإنسان في هذه الأرض لحكمة الابتلاء الذي كتبه الله تعالى على كل إنسان مسلما كان أو كافرا وحتى يكون المرء أهلا لما هو بصدده خلق الله له الحواس المدركة , يقول تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) هذا على مستوى الفرد أما الجماعات فإن الله تعالى يخبر أن الفسق وتجاوز الحد في الطغيان هما السبب فيما حل بالأمم من دمار , (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) كما أن الإيمان والتقوى هما سبب ما ينعم به الله تعالى على الشعوب من بركة وأمن (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء) (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا).
وكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مضيئتان بما يدعم هذه الحقيقة الكونية التي لا يزيدنا تطبيقها على التاريخ المكتوب قديمه وحديثه إلآ إيمانا وتسليما.
ونتيجة ذلك يتحمل الفرد مسئولية كبيرة عما يحل بالمجتمع الذي يعيش فيه من خير أو شر والمجتمع مسئول أيضا عما يقع على أفراده.
وأقول: إن هذه الحقيقة غائبة أو مغيبة عنا لأننا نجد أن الطرح الإصلاحي في العالم الإسلامي وعلى جميع المستويات سواء منها الدينية أم الليبرالية لا يضع هذه الحقيقة في اعتباره بل يلقون المسئولية بكاملها عن كل ما يصيب الأمة من ويلات على عدد قليل وهم القادة الذين هم في الأصل جزء من الابتلاء الذي يصيب الله به الأمم كالمطر والقحط سواء بسواء.
إن الشعوب ما لم تدرك أن إقبالها على تمحيض الاستعباد لله تعالى هو مجلبة الخير لها في الدنيا و سبب نجاتها في الآخرة كما تقتضيه حقيقة الابتلاء فلن تنعم البشرية أبدا بالراحة من تقلبات التاريخ التي سعى منظروا الغرب إلى إيقافها.
كما أن المفكرين في العالم الإسلامي ما لم يوجهوا المجتمعات إلى الوعي بهذه الحقيقة فلن يكون الانصلاح نتيجة ما يطالبون به من إصلاح.
ـ[أحمد محمد أحمد بخيت]ــــــــ[09 - 01 - 07, 12:38 ص]ـ
أحسنت، وأوجزت فأبلغت.
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[01 - 03 - 07, 06:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير من وطىء الثرى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخي الكريم: أشكرك على الفوائد التي ذكرت.
ويسرني أن أقول بأن:
كلامك ذكرني بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)
وورد في تفسير ابن كثير عند تعرضه لتفسير هذه الآية:
" أي: بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي .... من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ... "
وهذا يدلنا على قاعدة تاريخية يمكن أن تستنبط من هذه الآية الكريمة وهي:
" أن دمار الأمم ناتج عن معصية الله تعالى "
وهذه القاعدة ستساعد على استشراف مستقبل بعض الأمم نسأل الله أن يسلم ديار المسلمين من كل مكروه.
والله أعلم وأحكم.