تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا شك في أن مخاطبة ظاهر العمر باشا صيدا بهذا الأسلوب، جعل الأخير ينظر اليه، نظرة إعتبار وثناء على ما أقدم عليه، وعلى ما إقترحه من تطوع في التعامل مع أهل طبرية، بدلا من المتسلمين الذين تغلب عليهم نزعة السطوة، والإستعلاء، والفوقية، في التعامل مع المواطنين، لا بل أن ظاهر كبر بعينه، عندما علم أن فرس عرب الصقر الزرقاء، آتية إليه، على الرغم من أنه كان قد وسط لشرائها، وامتنعت عرب الصقر عن بيعها له. فهذا الأمر ترك إنطباعا قويا من الثقة لدى باشا صيدا، وبرهن على حسن تعامل ظاهر مع سكان البلاد، وفيه من الحكمة والحنكة الشيء الكثير.

كانت هذه الأحداث سببا في إتخاذ بشا صيدا قرارا بتنصيب ظاهر العمر قيما على طبرية، وهنا بدأت مسيرة ظاهر العمر بفض النزاعات، وكلما رأى حاجة لإستقدام فرسان الصقر المتحالفين معه لم يتأخر، واستفاد ظاهر العمر فائدة عظيمة من قوة فرسان عرب الصقر، فالدعم المنقطع النظير من فرسان عرب الصقر، بأمرة الأمير إرشيد الجبر، والأمير قعدان بن ظاهر السلامة، رسخ من أقدامه في التغلغل في الحكم في طبرية ونواحيها، فحادثة هجوم فرسان الصقر على سجن طبرية وخلع بابه وتخليص المسجون، عززت من شأنه بين أهل طبرية، ونال شهادة من باشا صيدا أن يكون مقدما عليهم. وفي هذا السياق، تقول مخطوطة عبود الصباغ الروض الزاهر في ظاهر: [ ..... إلى أن إنتهوا، أن الزيادنة، تقدم لتسكن طبرية، وأنهم يسببوا مخاصمة مع متسلمها، وكانوا ليس بعيدين عنها، واتفقوا أن ينزل الأمير رشيد الجبر وعربه، في المرج بين عكا والناصرة، وأن متى وقع بين الزيادنة وبين متسلم طبرية، أقرب مخاصمة، يرسلوا إليه ليأتيهم بعربه، وباتوا تلك الليلة، وعند الصباح، بعد الفطور، توجه رشيد الجبر، إلى قبيلته، مع من معه، وقام سعد وظاهر مضوا إلى طبرية، واتخذوا بها مسكنا، وجعلوا يتعرفون بأهلها، ويوادونهم، ثم إنهم رجعوا، وجعلوا يترددون إليها أكثر الأوقات، ويكتسبون قلوب أهلها، بمعروفهم، وكرمهم، وجودهم، وكان المتسلم في طبرية، شاويش من أتباع محمد باشة صيدا، ليس عنده عسكر إلا مقدارعشرين أو ثلاثين جندي، فاتفق أن رجلا من أهل طبرية، إسمه محمد نصار، متضمن من الحكم قوانين، فبعد أن دفع ميريها للشاويش، طلب منه الشاويش كيسين أيضا ظلما، لأنه بلغه عنه أنه غني، فتوقف عن الدفع، فوضعه في الحديد، ورماه في الحبس، وأمر عليه بالعذاب، ليدفع الكيسين، بلغ أبوه ذلك، فهرب واستشار بعض إخوانه من بلده، في خلاص ولده، فقالوا له: والله مالك إلا فارس الغبراء من الزيادنة، قال: من هو؟ قالوا له: ظاهر، إقصد حماه، فيخلص لك إبنك، فمضى إلى عرابة، ووقع عليه بمكانه، ويبكي، وقال له: قصدتك يا شيخ ظاهر، وأنا بعرضك، فقال له الشيخ ظاهر: ممن؟ قال له: من الشاويش، وأخبره ماذا عمل بأبنه، فقال له ظاهر: لا بأس عليه، لا تخف، إتبعني، ثم إن ظاهر إستشار أخاه سعد، أرسل أعلم أولا رشيد الجبر، ليرسل لك خمسين فارس، فمتى بقوا عندك، أدخل على الشاويش بالمعروف، ليعفي عن الرجل، فإن فعل، القيام، وترجع خيل الصقر، وإن لم يقبل تهجم على الحبس، وتكسر بابه، وتخرج من به، وتقبض على الشاويش، وبعده نرى ما يكون، ففعل ذلك ظاهرا، وأتى بأخيه وإبن عمه، ودخل على الشاويش، وكلمه باللين، وترجاه بالمعروف، فأبى، فخرج ظاهر من عنده مغتاظا، ودعا فرسان الصقر الخمسون، وهجموا على باب السجن، وكسروه، وأخرج من به، فسمع الشاويش الضجة، والضوضاء، وبلغه الأمر، فخاف على نفسه، فقام، وركب مسرعا، وخرج من طبرية، ثم إن ظاهر، بعد أن أعتق المحبوسين، دخل مع جماعته على الشاويش، فما وجدوه، فسأل عنه، فأخبروه أنه خرج هاربا، فأرسل عشرين خيال من عرب الصقر، وعليه إبن عمه محمد العلي، فتبعوه، وأدركوه، وقبضوا عليه، وجاؤا به إلى ظاهر بالإكرام، وقال له لا عليك.

ثم إن ظاهر أحضر بعض أهل طبرية، والفقيه، والإمام القاضي، وكتبوا محضرا، أن الشاويش ظلم، وتعدى حقوقه، وبغي على الرعية، فلأجل ذلك، قامت الرعية، يدا واحدة، لتقتله، وأن ظاهر منعهم منه، وكف يده عن الولاية، خوفا عليه، ووضعوا جميعهم أساميهم به، وأرسل الشاويش ومعه رسل من طرف ظاهر بصورة هذا المحضر، وكان محمد باشا صيدا، بلغه أن عند بعض عرب الصقر، فرس أصيلة، تسمى الزرقاء، فأرسل إلى أمير عرب الصقر، رشيد الجبر، وترجاه في إرسال الفرس المذكورة، فاشتراها رشيد من أصحابها، وأرسلها لظاهر. فبعد أن توجه الشاويش بقليل، كتب ظاهر إلى محمد باشا، يخبره بما وقع من أهل طبرية، وأنه هو الذي حمى شاويشه منهم، وعرف أن هذه البلاد، لا تستقيم إلا بالعدل، والوقوف عند الحد، ورد الخدم لطمعهم، يطلبونه زيادة لأنفسهم، غير المقرر لسيدهم على البلاد، فيجلبوا منه ذلك المذمة، لسيدهم، من أنتسابه للظلم، ويكون سيده بريئا منه، ورجاه، إن أنعم، يقوم هو في ولاية طبريا وعرابة، ويدفع كل سنة ميرة طبرية، وعوائد متسلمها، حسب عرابة، وطلب منه أن يرسل له تقرير في ذلك، وأخبره بالفرس، وأن يحيه لخدمة سيده في سعادته، إجتهد كثيرا، حتى حصل عليها، وأنها واصلة إليه هدية، محبة منه له، فلما وصل الشاويش مع الرسل، ودفعوه بصورة المحضر، إلى الباشا، وقرأه وعرف ما به، فاغتاظ من أهل طبرية، وغضب، وقام، وقعد، وأراد أن يركب هو بنفسه، لينتقم منهم، وفي تلك المسافة، وصل مكتوب ظاهر، والفرس، فلما قرأه، رأى الفرس، إنشرح صدره، وسر بالفرس، وأعجبه فعل ظاهر، وأخذه الشاويش، أن ظاهر تلقاه بكل كرامة، فعند ذلك كتب لظاهر، ليقوم ويتولى ولاية طبرية، وأرسل له مع الخلق، فلما وصل، سر ظاهر، وفرحت به أهل طبرية، وبسط فيهم العدل، والذب عنهم الحرام، وتمهيد الطرق من المواقع ... ] أ. هـ.

وكتبه

علي بن فلاح الملاحي الصقري

مؤرخ عشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائية العريقة

إربد - الأردن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير