وتبقى كتب التفسير التي تكفلت ببيان أسباب النزول سواء كانت الرواية مرفوعة أو موقوفة على الصحابة شاهدي العيان أم كانت موقوفة على التابعين فمن بعدهم، وخاصة تفسير الطبري الذي احتوى على خمسمائة سبب نزول غير مكررة وقد يخرج للآية الواحدة خمسة أسباب لكنه لا يلتزم صحة الروايات، وأكثرها موقوف أو مقطوع. والآيات التي وردت روايات صحيحة مسندة إلى الصحابة في أسباب نزولها لا تكاد تبلغ الثلاثمائة من عدد آي القرآن (6200 آية).
وقد اختصت بعض الكتب بحصر الروايات في أسباب النزول وهي: " أسباب النزول " للواحدي، و " لباب النقول " للسيوطي، و " العجاب في الأسباب " لابن حجر العسقلاني، وهذه الكتب هي العمدة في هذا الفن، وقد بلغت زيادات السيوطي على الواحدي 370 رواية.
لقد قمت بتدريس السيرة النبوية عشرين سنة في كلية الآداب بجامعة بغداد أولاً ثم في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد دونت محاضراتي لطلبة الجامعتين، ونقحتها مرارًا، ونشرت بعض الموضوعات منها. على أمل أن أعيد النظر فيها لإعدادها للنشر كاملة، ثم واتتني الفرصة لإعادة كتابة قسم السيرة منها بعد أن أشرفت على رسائل العديد من طلبة الدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد وجهت تلك الرسائل إلى نقد مرويات السيرة النبوية وتحكيم مناهج النقد عند المحدثين فيها، فكانت محاولة ضخمة طبقت فيها تلك القواعد على سائر الروايات التي أوردتها كتب الحديث والتاريخ والتراجم والأدب عن السيرة، وتقع هذه الرسائل في أكثر من ستة آلاف صفحة (فولسكاب) وقد استغرق تنفيذ هذا المشروع أكثر من عشر سنوات (1976 - 1988)، ويعتبر أعظم إنجاز في توثيق مرويات السيرة النبوية رغم ما يكتنف التجارب الأولى من قصور في العادة، وأملي كبير في أن يتمكن الباحثون من تطوير هذا الإنجاز والإفادة منه ليتم إعادة تحليل السيرة وعرضها من جوانبها المختلفة بالاعتماد على الروايات الموثقة ووفق التصور الإسلامي الصحيح للأحداث والدوافع والسمات. لقد أغنت هذه الرسائل الجامعية تجربتي في كتابة السيرة، ومكنتني من الاستقراء الشامل من جديد لسائر مرويات السيرة مع الموازنة بينها والتأمل فيها خلال عشر سنوات انصرمت. ومازال العديد من الرسائل يكتب في السيرة بإشرافي. وإنني آمل أن يفيد المعنيون بكتابة السيرة النبوية من هذه الرسائل الجامعية في تقديم دراسات تحليلية نافعة، وهو الجانب الذي مازال بحاجة إلى عناية كبيرة من قبل الكتاب المتمرسين وأصحاب الأقلام الراسخين والمفكرين الناضجين وذلك خدمة للسيرة النبوية وتعميقًا للمعاني السامية التي تحتاجها الأجيال الصاعدة بدرجة لا تقل عن الضرورات من وسائل المعيشة التي تسعى تكنولوجيا العصر إلى تهيئتها للإنسان، إذ إنما يمتاز الإنسان بروحه وعقله وهما ينموان بالمعاني التي تغذيهما كما يغذي الطعام الجسد وإلا فإن إنسان الغد سيتحول إلى جسد بلا روح.
إن التخلف في مستوى النتاج الفكري الإسلامي لن يؤدي إلا إلى رضاع الأجيال من لبان العقول الغربية التي تشبعت عبر قرون طويلة بجفاف المادية القاتلة والبُعد عن الله تعالى والتمرد على القيم الروحية والانقياد للفكر الوضعي الحائر. وإن ما صارت إليه المجتمعات الغربية المعاصرة من أخطار اجتماعية وخلقية هو نتاج الشجرة المسمومة التي غذتها الأفكار العلمانية فلابد أن يسعى مفكرونا لتجنيب أجيالنا أن تمر في نفس الأطوار الاجتماعية التي مرت بها أوروبا .. وخير سلاح أن ترضع الأجيال المعاصرة من لبان الإسلام وفكره فهو خير سبيل للوقاية من أخطار المادية القاتلة.
وأملي كبير في نقد هذه التجربة وتقويمها من قبل العلماء المدققين والباحثين المعنيين بدراسات السيرة والتاريخ الإسلامي للإفادة من آرائهم في هذا الشأن إذ مازلنا في أول الطريق نحو تطبيق منهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية في القرون الأولى، وهو أمر عسير يحتاج إلى استيعاب دقيق لمصطلح الحديث، ومرونة في التعامل وفقه مع الرواية التاريخية.
لقد سبق أن نشرت المقدمة والبابين الأول والثاني من (السيرة الصحيحة) بعنوان (المجتمع المدني) ولكنني في هذه الطبعة الجامعة نقحت ما سبق نشره وضممت إليه فوائد جديدة.
والله أسأل أن يتقبل عملي ويجعله من حسناتي في حياتي وصدقاتي بعد مماتي إنه خير مأمول وأعظم مسئول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
من كتابه " السيرة النبوية الصحيحة " جـ1 ص 11 - 25
ـ[حسين العسقلاني]ــــــــ[22 - 05 - 07, 12:35 م]ـ
حمل كتاب السيرة النبوية الصحيحة لأكرم العمري من هنا ( http://www.islamstory.com/BookDetails.aspx?ID=258)
وجزاكم الله خيرا
ـ[سلمان الصيعري]ــــــــ[08 - 06 - 07, 03:40 م]ـ
من خير الناس و لا نزكيه على الله و الله حسيبه
الدكتور اكرم ضياء العمري و انا قرأت له جزء من كتاب الخلافة الراشدة و هو من خيرة الكتب
¥