[حول كتابة التاريخ الإسلامي]
ـ[محمد أفندي]ــــــــ[23 - 03 - 07, 09:29 م]ـ
[حول كتابة التاريخ الإسلامي]
تزداد الحاجة يوماً بعد يوم إلى تنفيذ ما طرح من فترة غير قصيرة حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، بعد أن عاث به فساداً المستشرقون والمستغربون على حد سواء، وهذا الشعور بالحاجة الملحة له أسباب نذكر بعضها:
1 - إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها لهي أمة مقطوعة منبتة، فالماضي ليس مفتاحاً لفهم الحاضر فحسب، بل هو من أسس إعادة صياغة الحاضر، ومقولة (التاريخ يعيد نفسه) ليست خطأ من كل الوجوه، وقد استخدم القرآن الكريم قصص الأمم السابقة للتأثير في نفوس الناس، أو للتأثير في نفوس الذين لم تنتكس فطرتهم، قال تعالى: ((ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وحَصِيدٌ)) [هود:100]، وقال تعالى: ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)) [يوسف:109].
ولابد لأهل كل عصر من أن يواجهوا النوع ذاته من التعقيدات التي واجهها أسلافهم، وإن سجل التاريخ ما هو إلا المنار الذي ينبئ الملاحين الجدد عن الصخور المهلكة التي قد تكون خافية تحت سطح البحر. ولو أن المسلمين في هذا العصر استوعبوا دروس الماضي لما أخطأوا في كثير من الأمور، كما أن الدراسة المتأملة للحاضر تساعدنا أيضاً على فهم الماضي، والذي جرب تقلبات الدول والمجتمعات وشاهد المؤامرات السياسية، وعاين الركود الاقتصادي، يكون أقدر على تفهم الحوادث الماضية التي ليست نسخة مطابقة للحاضر ولكن فيها شبه كبير فيه.
يقول المؤرخ ابن الأثير: (وأنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره فيزداد الإنسان بذلك عقلاً ويصبح لأن يقتدي به أهلاً) (1).
والذي يشاهد ما تفعله بعض الدول الآن من استعانتها بعناصر أجنبية وتفضيلهم على الأقرباء والدين واللغة يدرك طرفاً من نظرية ابن خلدون في أن الدول إذا تمكنت تبعد عصبيتها الأولى وتعتمد على عصبيات مجلوبة، من الخارج، ويدرك المؤرخ عقم المحاولة التي قام بها الخليفة المعتصم العباسي لتقوية دولته عندما جلب الأتراك فتحولوا إلى شوكة في حلق العباسيين، وأصبح المسلم العربي كما قال المتنبي:
ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان
2 - لئن كان التاريخ له أهميته ومنزلته عند المتقدمين من العلماء حيث قام به أمثال ابن جرير الطبري والبخاري وابن الأثير والذهبي، وكتب السخاوي (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) لئن كان هذا فهناك علماء لهم رأي آخر، فالغزالي يرى أنه من العلوم المباحة التي ليس فيها نفع دنيوي ولا أخروي، وأنه كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها (2) وتابعه النووي في ذلك فقال في (الروضة): (الكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض: التعليم والتفرج بالمطالعة، والاستفادة، فالتفرج لا يعد حاجة كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ولا في الدنيا) (3).
وكان من نتائج هذه النظرة أن ضعف الحس التاريخي في العصور المتأخرة، وفقدت خاصية التأمل والاستفادة من الحوادث، وأصبح التاريخ قصصاً وروايات للتسلية وللتفريج عن الهم والغم ومرتبته في العلوم تأتي في الدرجة الثالثة أو الرابعة، ومجيء مؤرخ كبير كابن خلدون لم يغير هذه النظرة، لأن الأمة كانت في حالة تدهور ثقافي، ولم يظفر كتابه المهم في النقد التاريخي بالأهمية والمكانة المناسبة له.
وفي العصر الحديث تنبه المسلمون لما للتاريخ من أهمية بالغة، وخاصة عندما يكون الجهد منصباً على (استئناف حياة إسلامية) ولذلك لابد من إعادة كتابة التاريخ الإسلامي.
3 - إن ما كتبه علماؤنا قديماً، وإن كان عملاً ضخماً، قد حفظوا لنا فيه كل جزئيات وتفاصيل تاريخنا الإسلامي وجمعوا روايات كثيرة جداً، إلا أن هذه الروايات تحتاج إلى غربلة وتمحيص لأن فيها الصحيح والضعيف بل والموضوع، وقد ذكروا لنا مصادرهم حتى يعذروا ولا نحملهم المسؤولية، وما كتبه المحدثون إنما نسجوا فيه على منوال المستشرقين الذين اهتموا اهتماماً زائداً بالتاريخ الإسلامي لغاية في أنفسهم وكان لهم منهج خاص في البحث والتنقيب، ولهم منهج في تفسير النصوص أكثره تهويل، يأتون فيه بالغرائب والعجائب، وذلك بقصورهم عن فهم اللغة العربية
¥