تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشىء اللافت للانتباه أن يحرص متهمو العصرين المملوكى والعثمانى على إشاعة رواية الأستاذ على مبارك [1823 – 1893م] أن "المدارس أهملت – فى العصر العثمانى – وامتدت أيدى الأطماع إلى أو قافها، وتصرف فيها النظار على خلاف شروط وقفها، وامتنع الصرف على المدرسين والطلبة والخدمة فأخذوا فى مفارقتها، وصار ذلك يزيد فى كل سنة عما قبلها، لكثرة الاضطرابات الحاصلة فى البلاد، حتى انقطع التدريس فيها بالكلية" () مع إغفال تاريخ هذا الحدث المشين، حتى ليبدو وكأنه طابع العصر، بيد أن روايات أخرى أنسب إلى تاريخ الدولة العثمانية ودورها فى حمل راية الإسلام تؤكد على أن "سلاطين آل عثمان اقتدوا فى إنشاء المدارس بسلاطين المماليك وأشهرها المدارس الثمانى التى أنشأها سليمان القانونى. وقد بلغ عدد المدارس فى منتصف القرن التاسع الهجرى – فى أخريات العصر المملوكى – فى مصر وحدها سبعين مدرسة "ويقال نحو ذلك فى الأصقاع الأخرى" () وجميعها تمثل "الامتداد المادى والفكرى للأزهر، يدرس فيها شيوخه ويتخرج منها العلماء على منهجه" ().

والمنهج الأزهرى وإن افتقر إلى العناية ببعض العلوم – غير التشريعية – فلعل علة ذلك ضيق حال غالبية أهله، "وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات" () لا يقدرون عليها لفقرهم.

ويصدق ذلك أن مدرسة الطب التى أنشئت سنة 1828م اختير لها بمعرفة الحكومة وبمشورة كلوت بك – الذى أوكلت إليه إدارة المدرسة – مائة تلميذ من طلبة الأزهر، تفوق منهم – على أقرانهم – عشرون، أبقى ثمانية منهم فى المدرسة فى وظيفة معيدين للدروس، وأرسل الاثنا عشر الباقون إلى باريس لإتقان علومهم وإتمامهم، فلما عادوا عينوا أساتذة فى المدرسة، وهم الذين تألفت منهم البعثة العلمية الرابعة ().

وإذا عولنا على علوم العربية والفقه بحسبانها الأشد التصاقا بالشخصية والهوية والتشريع فإن "الجمود" على القديم، والاعتصام به، كان موقفا لا يخلو من الوجاهة، ولا تنعدم منه الإيجابيات، وقد عطل – مرحليا – طوفان التغريب ().

ولا أدرى كيف يكون على رأس مشيخة الأزهر رجل متضلع فى الأدب وفنونه، حظه من العلوم العصرية والجغرافيا وفير كالشيخ حسن العطار، ويتربى على يديه، وينهل من فيض علمه رفاعة الطهطاوى، ثم تتقبل دون مراجعة رواية الجبرتى عن علماء الأزهر فى مطلع حكم محمد على"أنهم افتتنوا بالدنيا، وهجروا المسائل، ومدارسه العلم إلا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية" () ولا تستوقف الراوى هذه المفارقة، بل تلك اللفظة الغربية عن الاصطلاح الإسلامى، أعنى لفظة "الناموس"؟!

ولئن سلمنا بعجز المؤسسة التعليمية الفقهية عن تأهيل الكوادر، ووضع الحلول القادرة على بناء اجتماعى فاعل، فكيف نستسيغ حرص مسيو "جو مار" [1777 - 1862م] – رجل فرنسا فى بلاط محمد على الكبير – على أن تكون بعثة تلقى علم الحقوق من طلبة الأزهر، وتتعلم تحت رقابته؟!! () وذلك فى العام 1847م، أى بعد خمس وثلاثين سنة من ابتداء البعثات العلمية التى أوفدها محمد على، بل كيف نستسيغ أن يكون عبقرى هذه البعثات هو الشيخ النابغة رفاعة رافع الطهطاوى، وأن يكون محل رعاية خاصة من مسيو "جو مار" والمستشرق الشهير "البارون دى ساسى" وأن تشهد تعليقاته على الدستور، وأصول الحقوق الطبيعية والفلسفة اليونانية والسياسية على فهم عميق للعلوم الإسلامية، وإن أضاع ثمرة هذا الفهم- فى رأينا- بالانتصار لثقافة التغريب؟!

ألا توحى هذه الوقائع اليقينية بزيف دعوى فساد نظام التعليم الأزهرى، وعجز علمائه وطلابه عن تحقيق أمانى وتطلعات أمتهم؟

وألا تدل على حرص محمد على – وبلاطه الفرنسى – على ضرب هذا النظام فى مقتل بسبه، وتضييق الخناق عليه، وامتصاص أطايب رحيقه لتوظيفهم فى جبهة التغريب؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير