أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك.
وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على اللّه، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم اللّه تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه، وههنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فقالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}؟ الآية. وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك أي نصلّي لك ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهل وقع الاقتصار علينا؟ قال اللّه تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم ما لا تعلمون}، أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون، والعُبَّاد والزهاد، والأولياء والأبرار، والمقربون، والعلماء العاملون، والخاشعون والمحبون له تبارك وتتعالى، المتبعون رسله صلوات اللّه وسلامه عليهم.
وقيل: معنى قوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها، وقيل: إنه جواب {ونحن نسبِح بحمدك ونقدس لك}، فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به. وقيل: بل تضمن قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدس لك} طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بني آدم، فقال اللّه تعالى ذلك: {إني أعلم ما لا تعلمون} من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة واللّه أعلم.
(ذكر أقوال المفسرين)
قال السدي في تفسيره: إن اللّه تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض، ويقتل بعضهم بعضاً: قال ابن جرير: وإنما معنى الخلافة التي ذكرها اللّه إنما هي خلافة قرن منهم قرناً قال: والخليفة الفعلية من قوله: خلف فلان فلاناً في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده، كما قال تعالى: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}. ومن ذلك قبل للسلطان الأعظم خليفة، لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر فكان منه خلفاً.
قال ابن جرير عن ابن عباس: إن أول من سكن الأرض الجن، فافسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضاً قال: فبعث اللّه إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: {إني جاعل في الأرض خليفة}. وقال الحسن: إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء، ولكن جعل اللّه في قلوبهم (الضمير في (قلوبهم) يعود على الملائكة لا على الجن فتنبه) أن ذلك سيكون، فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال قتادة في قوله {أتجعل فيها من يفسد فيها}: كان اللّه أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فذلك حين قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}؟.
قال ابن جرير: وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} لأن اللّه أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟ فأجابهم ربهم {إني أعلم ما لا تعلمون}، يعني أن ذلك كائن منهم، وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعاً، قال، وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك، فكأنهم قالوا: يا رب خبرنا - مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار - واختاره ابن جرير.
ص 32/ 33 من مختصر الصابوني
ـ[أحمد علي البلوشي]ــــــــ[25 - 04 - 07, 12:14 م]ـ
مشكلة بعض من ينتسبون إلى العلم أنهم لا يرجعون إلى كتب السلف، وفهم السلف لنصوص الكتاب والسنة، ولو فعلوا ذلك لما وقعوا في هذه التخبطات، ولما جعلوا من أنفسهم سخرية للناس، ولأراحوا واستراحوا.
ـ[ابو معا وية المغربي]ــــــــ[19 - 05 - 07, 04:11 م]ـ
السلام. عليكم. نرجو من الاخ الفاضل ابو مسهر ان يحدد لنا تلك الكتب التي تحتوى علي تكفير محمد بن جرير.
ـ[لام العمري]ــــــــ[20 - 05 - 07, 03:45 ص]ـ
مشكلة بعض من ينتسبون إلى العلم أنهم لا يرجعون إلى كتب السلف، وفهم السلف لنصوص الكتاب والسنة، ولو فعلوا ذلك لما وقعوا في هذه التخبطات، ولما جعلوا من أنفسهم سخرية للناس، ولأراحوا واستراحوا.
!!
ـ[ابو مسهر]ــــــــ[20 - 05 - 07, 11:44 م]ـ
في فتح الباري
ونقل ابن التين عن الداودي أنه أنكر على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال: وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير الباري تعالى فلا يبقى غير وجهه، فرد عليه بأن وقت الساعة لا يعلمها إلا الله، فالذي قاله مخالف لصريح القرآن والحديث، ثم تعقبه من جهة أخرى وذلك أنه توهم من كلامه أنه ينكر البعث فأقدم على تكفيره وزعم أن كلامه لا يحتمل تأويلا،
وانظر الى مقدمة كتابه في التاريخ
¥