تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قرأت على الشيخ رحمه الله منظومة تحفة المودود في المقصور والممدود وهي منظومة همزية لغوية بمعانٍ زُهدية تزيد عن مائة وستين بيتاً لابن مالك النحوي أيضاً تتناول المفردات الممدودة والمقصورة في اللغة العربية، ومطلعها:

بدأت بحمد الله فهو ثناء ### وللنطق منه بهجة وبهاء

وبالآل والأصحاب ثنيت مُثْنِياً ### بخير الثنا إذ هم به جُدَراء

وبعد فإن القصر والمد من يُحِط ### بعلمهما يَسْتسْنِه النبهاء

وقد يسر الله انتهاجَ سبيله ### بنظمٍ يَرَى تفضيله البُصَراء

ثم تبعتُ ذلك بقراءة مقصورة أبي بكر ابن دريد الشهيرة وشرحها لابن خالويه:

يا ظَبيَةً أَشبَه شَيءٍ بِالمَها ### تَرعى الخُزامى بَينَ أَشجارِ النَقا

إِمّا تَرَي رَأسِيَ حاكى لَونُهُ ### طُرَّةَ صُبحٍ تَحتَ أَذيالِ الدُجى

ولم أقضِ فيها طويلاً فقد ختمتها على الشيخ في أسبوع، وقد شدّني الشيخ بعجيب حفظه وشدة استقصائه لشواهد المفردات في هذه المقصورة.

ثم نصحني الشيخ بحفظ منظومة الإعلام بمثلث الكلام لابن مالك فهي ثروة لغوية هائلة مع شرح عجيب ضمنه الناظم فيها وجملة أبياتها تزيد عن ثمانمائة وألفين:

إتباعُ حمْدِ الملك الوهاب ### صَلاته على الرضا الأوّاب

محمدٍ وآله الأنجاب ### به ابتهاج النطق في الكتاب

وبعد فالأولى بأن تُجْلَى له ### بنات فكر ناسبت إجلاله

ملْكٌ يباري فضلُه إفضاله ### في نصر أهل العلم والآداب

إلى أن يقول:

لما علمتُ أنه ذو أرَبِ

إلى اتساع في كلام العرب

رأيت أن أجعل بعض قُرَبي

له كتابا فيه ذا احتساب

أحوي به أكثر تثليث الكَلِم

نحو حَلَمْتَ وحَلُمْتُ وحَلِم

فحوز هذا الفن محمود مهم

به اعتنى قدما أولوا الألباب

وها أنا آتي به مبوبا

على الحروف بينا مرتبا

ملخصا مخلصا مهذبا

ينقاد معناه بلا استصعاب

وقد قرأتُ معظمه على الشيخ من نسخة مطبوعة في مصر وأخرى في الهند وهما كثيرة الغلط والتحريف ولولا حافظة الشيخ رحمه الله لأضلتنا هذه النسخ المطبوعة التي يخرجها من خلاق له في التحقيق واستنساخ المصادر العلمية فهذه تتطلب علماء يحسنون القراءة ويوجهون عن علم لا عن ظن.

وأثناء ذلك قرأنا شطرا من المعلقات على الشيخ أحمدو وعلى ابنها مختار ولم أكن لأدانيهما في كثرة المحفوظ من المنظوم والمنثور فألتقط ما أستطيع التقاطه إذ إنهما سريعا التلقين ولا يميل الشيخ إلى التفهيم وبسط الشرح كحال ابنه مختار، فإذا اعتاص عليّ شيئ ملت به إلى مختار فأجد عنده الجواب الشافي.

ثم قرأنا على الشيخ رحمه الله منظومة السلّم المنورق في علم المنطق للصدر الأخضري فبان لنا أن الشيخ يكره هذا الفن رغم حرصه على تعليمه ولولا فتوى بعض الأكابر بجواز تعليمه وتدريسه لحاجة العلماء له لصدّ عنه، ومطلع المنظومة:

الحمد لله الذي قد أخرجا ### نتائج الفكر لأرباب الحِجا

وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ### كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحابِ الجَهْلِ

حَتى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفةْ ### رَأَوْا مُخَدَّراتِها مُنْكَشِفَةْ

وكنا خلال ذلك نسترق من وقت الشيخ بعد صلاة الفجر أو عند شروق الشمس في الحرم النبوي فنقرأ عليه من الكامل للمبرد أو الأمالي للقالي فانتفعنا بذلك كثيراً.

وقد أمضينا مع الشيخ خمس سنوات حافلة حملنا عنه ما لم نحمله من الجامعات وأقسام الدراسات العليا فهو جامعة ضخمة بل مكتبة هائلة يحفظ سجلاتها في صدره رحمه الله.

ومما وقفنا عليه من أحوال الشيخ رحمه الله أنه كان كثير العبادة والصلاة والاستغفار لا أكاد أجده إلا ذاكراً أو مصلياً أو تالياً لكتاب الله من حافظته، وكنا إذا أردنا القراءة على الشيخ نبحث عنه في أركان الحرم النبوي حيث كان يغير مواضع جلوسه فتارة تجده في الروضة ولاسيما بعد شروق الشمس وتارة في الحصوة أي الساحة المكشوفة الأولى من الحرم وتارة في زوايا الأركان، وكان يطلب إلينا ألا نحتشد عنده خشية أن يأتي أحد من العاملين في هيئة الحرمين فيضر به لأنه لا يحمل ترخيصا بالتدريس وهذا ما كان يجعله دائم الغضب والنكير من منع العلماء من تعليم الناس، وقد دفعه هذا لترك تلك الديار الطاهرة والعودة إلى موطنه بعد ذلك لينشر علمه وهو ما كان له رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير