أَصُولٌ وضَوَابطُ في دِرَاسةِ السِّيرة النَّبَويَّة الشَّرِيفةِ
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[30 - 05 - 07, 07:55 ص]ـ
" أَصُولٌ وضَوَابطُ في دِرَاسةِ السِّيرة النَّبَويَّة الشَّرِيفةِ "1
"عبد اللَّطيف بن محمَّد الحسن"
يكفي دلالةً على القناعةِ بأهميةِ دراسةِ السِّيرة تلك الكتاباتُ المتكاثرة التي تُحاول الإفادةَ من السِّيرة بأكثر من صورةٍ. ولِمَا لمنهج الكاتبِ من تأثيرٍ في كتاباتِهِ؛ فإنَّ مِن المهمِّ السعيَ إلى تحديدِ أُطُرٍ منهجيةٍ ضابطةٍ للدِّراسةِ والكتابةِ. وهذه محاولةٌ لرسمِ بعضِ المعالمِ والضَّوابطِ أرجُو بها النَّفعَ، وأنْ تتبعَها دراساتٌ أكثرُ نُضجاً من ذَوي الاهتمامِ والاختصاصِ2.
أولاً: فهم حقيقة الإسلام ومنهجه المتكامل:
يكتسب هذا القيد مكانته من جهة عجز مَن يفتقده عن قراءة أحداث السِّيرة قراءةً موضوعية تمكنه من سلامة فهم الأحداث، وتقصِّي أسبابها، ومعرفة دوافعها، وتفسيرها بما يتفق مع رُوح الإسلام. فمن المهم (أن يُعنى بالجانب التشريعيِّ الذي يحتكم إليه المجتمعُ، وتُوضَّح الضوابطُ الخلقية والقانونية التي تحكم حركةَ الأفراد والمجتمعات، ولا يُمكن الفصلُ بين الجانبِ السياسيِّ والعسكريِّ، والجانب الخلقيِّ والتشريعيِّ، خاصة في القرونِ الأولى من تاريخ الإسلام؛ حيث تتشابك العلاقاتُ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة تشابكاً وثيقاً بحيثُ يصعبُ فهم حركة التَّاريخ في تلك المرحلةِ دُونَ فهمِ رُوحِ الإسلامِ ومبادئِهِ) 3.
إزاء هذا الضابط نرى أنفسنا أمام خطرين اثنين:
أولهما: افتقاد بعض الباحثين والدارسين إلى المرجعية الشرعية.
وثانيهما: قراءة السِّيرة بأنظمة معرفية أخرى: رأسمالية، واشتراكية، وعلمانية، وقومية من الخارج، ومحاولة تقطيعها والانتقاء من أحداثِها، وفصلها عن نسقها المعرفي وسياقها ومناسباته4.
ونظير هذا: قراءة السِّيرة بخلفيةٍ بدعيةٍ صُوفيةٍ أو رافضيةٍ .. ونحوها؛ فالرَّافضةُ مثلاً: يُحللون أحداث السِّيرة تحليلاً يتسقُ مع انحرافاتِهم العَقَدية!
ثانياً: ترك المنطقِ التَّسويغيِّ:
ينبغي أن تنطلق دراسة السِّيرة من اليقين بعزة الإسلام وأحقيته في الحُكْمِ والسِّيادةِ، وأنَّ الله لا يقبلُ ديناً سواه، وأنه لا يُفهم إلا من خلال دراسة السِّيرة.
ولذا وجب البُعدُ عن الرُّوحِ الانهزاميةِ في تحرير السِّيرة وتحليلها، وخاصة في الجهاد.
ومن المواضيع التي ينهزم أمامها التسويغيون ولا يجدون لها مُسوِّغاً على حدِّ زعمهم مسألة قتل يهود بني قُريظة لمَّا قبلوا حُكْمَ سعد بن معاذ فيهم وكان حليفَهم في الجاهلية, فَحَكَمَ فيهم بحُكْمِ اللهِ: أنْ يُقتلَ رجالُهم، وتُسبى نساؤهم وذراريهم. هنا يصعب الموقفُ على مَن في قلبِهِ انهزاميةٌ، فيسعى للتشكيكِ في ثبوت القصة.
وهي ثابتةٌ بلا شك5.
ثالثاً: اعتبار القرآن الكريم مصدراً أولاً في تلقي السِّيرة وفهمها:
لدراسة السِّيرة من خلال كتاب الله ميزاتٌ عدة، منها:
- أنَّ مُدارسته عبادة عظيمة.
- اشتمالُ القُرآنِ على إشاراتٍ تفصيليةٍ لا تُوجدُ في مصدرٍ آخر، كما في
أحداث زواج زينب -رضي الله عنها-.
- دِقَّةُ وصفِهِ للأحداثِ والشُّخوصِ، حتَّى يُصوِّر نبضات القلب، وتقاسيم الوجه، وخلجات الفؤاد، وهذه خصيصةٌ تنقلُ القارئَ إلى جَوِّ الحَدَثِ ليعيشَ فيه.
- تركيزُهُ على خصائصِ سيرةِ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, مثل: كونِهِ بَشَرَاً، وأنَّ رسالته عامةٌ، وأنَّهُ خاتمُ النَّبيّين. ومنها: ربطه بين قصة الحدث وسيره وبين العقيدة والإيمان والقضاء والقدر.
- بيانه حِكْمَةَ الحَدَثِ ونتائجَهُ وحِكْمَةَ اللهِ في تقديره، وهو الدَّرسُ التربويُّ المطلوب6.
وبدراسة السِّيرة من القرآنِ يتحولُ الحَدَثُ من قصةٍ في زمانٍ ومكانٍ مُعينين إلى درسٍ كبيرٍ مُتكاملٍ يتعدَّى ظُروفهما .. يُتلى إلى قيامِ السَّاعةِ7.
إنَّ مَن يعيشُ السِّيرة من خلال القُرآنِ وصحيحِ السُّنةِ لا تعود السِّيرة في حسِّه مجرد أحداث ووقائع، وإنما تصيرُ شيئاً تتنامى معه مشاعرُهُ الإيمانية تجاه الجماعةِ المؤمنةِ، ووعيه الإيماني بالسُّنن الرَّبانيةِ8. ومع أهميةِ هذا النَّوعِ مِن الدِّراسةِ فإنَّهُ لم يلقَ بعدُ اهتماماً يتناسبُ معه9.
¥