تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أجبَّارٌ في الجاهليةِ، وخَوَّارٌ في الإسلامِ؟! إنَّهُ قد انقطعَ الوحيُ، وتَمَّ الدِّين، أَوَ ينقصُ وأنا حيٌّ؟!) 54، فلم يتقيَّدْ بقيدِ الزَّمانِ، وهو ما قبل فرضية الزكاة في صدر الدعوة. ولذا فإن من الخطأ أن نريد إعادة مراحل السِّيرة التي كانتْ قبلَ اكتمالِ شرائعِ الإسلامِ، فنكتفي ببعضِها ردْحاً من الزَّمنِ، ونحمل النَّاسَ على شيءٍ من الدِّين في مرحلة من الزَّمنِ55 فذلكَ (تبسيطٌ شديدٌ للأمورِ من ناحيةٍ، وتجاوزٌ لتحليلِ ومعرفةِ أهمِّ الأبعادِ التي غابتْ عن محاولاتِ التغييرِ، وأدَّتْ إلى تراجعِها) 56.

ولكي يتضحَ جانبُ التبسيطِ فإنَّهُ يُردُّ على مَن أرادَ تقييدَ الإفادةِ من السِّيرة بالزَّمانِ بتقييدِها بالمكانِ! فهل يُطيقُهُ؟ ولابُدَّ أنْ نلاحظَ -حالَ الإفادةِ من مُعطياتِ السِّيرةِ- أنَّهُ لا يُمكنُ أنْ تُنتِجَ الوسائلُ والتصرفاتُ التي استعملَها رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- النتائجَ نفسَها إذا استعملَها سِواهُ؛ لاختصاصِ الرَّسُول -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بالوحي والتَّسديدِ من اللهِ -عَزَّ و جَلَّ- 57.

ولِذَا، فإنَّهُ تبقى للسيرةِ النَّبَويَّة صفةُ المعياريةِ الخالدةِ في الإطارِ العمليِّ التطبيقيِّ، وليس ذلكَ أبداً لممارساتِ أحدٍ غيرِهِ كائناً مَنْ كانَ، فلا يجوزُ إسقاطُ السِّيرةِ على تصرفاتِ بعضِ الأفرادِ أو الجماعاتِ لتسويغِ بعضِ الممارساتِ وإكسابِها المشروعيةَ، سواء قبلَ التصرفِ أو بعدَهُ، وسواء في ذلكَ القِراءاتُ الحَرَكِيَّةُ أو العسكريةُ أو الأمنيةُ أو الاقتصاديةُ أو التربويةُ ما دامتْ فُصِّلتْ حَوَادِثُها على تصرفاتٍ مُعيَّنةٍ، والتي لا يُمكنُ أبداً أنْ تكونَ مِعْياراً، بل هيَ في الحقيقةِ صفحةٌ من التَّاريخ تُفيدُ الدَّرسَ والعِبْرةَ58.

وفي الختام: لعلَّ فيما سبقَ من الضَّوابطِ محاولةً لرسمِ معالمَ في كتابةِ السِّيرة ودراستِها؛ والمرجُو أنْ تبعثَ لدى المهتمين المبادرةَ بنقدِها وتقويمِها، والسعيَ لتحريرِ منهجٍ علميٍّ متينٍ في دراسةِ سيرةِ الهادي -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير