[فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وقعها على الصحابة والتابعين]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 06:00 م]ـ
[فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وقعها على الصحابة والتابعين]
إبراهيم بن محمد الحقيل
عندما تموج الفتن، ويختلط الأمر، ويكثر الجدل، ويلتبس الحق بالباطل؛ فإن من توفيق الله تعالى للعبد أن يثبت على الجادة، ويلزم الصراط المستقيم، ويخرج من الدنيا وهو سليم القلب والجوارح .. قد سلم قلبه من الشبهات فما أشربها، وسلم من الفتنة فما مال إليها، وسلم على إخوانه المسلمين فلم يحمل في قلبه غشاً ولا ضغينة بسبب دنيا منع منها وأعطيت لغيره، وسلم قلبه لله تعالى فامتلأ إيماناً ويقيناً، وولاءً لله تعالى ولدينه ولعباده المؤمنين.
ومن كان كذلك سلامة قلب فإن جوارحه ستكون نظيفة سليمة، فلا تتلطخ يده بدماء محرمة، ولا يقع لسانه في أعراض إخوانه، ولن يكون شريكاً في تأجيج فتنة .. وإذا ما استزله الشيطان في حال ضعفٍ وغفلة هرع إلى الله تعالى فاستغفره وتاب إليه، واعتنى بصلاح قلبه من الشهوات والشبهات، وسلامة جوارحه مما حرم الله تعالى.
والفتن لا تبدأ عظيمة كبيرة، ولا تكون في أولها ملتبسةً محيرة، ولكنها تكبر شيئاً شيئاً؛ فمن سارع فيها ملكته ولم يملكها، وسيَّرته ولم يسيِّرها، وأوقعته فيما يسبب خسارته، ويوجب ندمه.
حينها يتمنى المتشرب بالفتن عودة الزمن إلى بدايته؛ لكيلا يسير في ركابها، ولا يركب أمواجها؛ ولكن فات وقت التمني، وحقت آثار الفتنة ونتائجها.
باب الفتنة:
الباب الموصدُّ دون الفتن في هذه الأمة كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء في حديث حذيفه رضي الله عنه وفيه: أن حذيفة قال لعمر رضي الله عنهما لما سأله عن الفتنة التي تموج موج البحر: "ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا بل يكسر، قال عمر: إذاً لا يغلق أبداً" (1) فلما كسر الباب بقتله انطلقت الفتن في هذه الأمة، فلا تقف إلا بقتل الدجال، ثم هلاك يأجوج ماجوج في آخر الزمان.
مقتل عثمان} أول فتنة:
قال أعلم الصحابة بالفتن، وأمينُ سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم، حذيفه بن اليمان رضي الله عنهما: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبةٍ من حُبِّ قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره" (2).
لقد كان الخروج على عثمان رضي الله عنه وقتله أعظم فتنةٍ ابتلي بها المسلمون في صدر هذه الأمة، ورغم أن عمر أفضل من عثمان وهو مقتول أيضاً؛ فإن قتل عثمان كان أشدَّ وطأةً على المسلمين، رضي الله عنهما وأرضاهما؛ فقاتل عمر رضي الله عنه فرد مجوسي كافر، أكله الحقد، وأعماه الحسد، وما ادعى بقتل عمر إصلاحاً .. أما قتلة عثمان فمسلمون داخلتهم الشبهات، وتشربتهم الفتن والأهواء، في جمع غفير من الرعاع والدهماء، زعموا بالخروج على الخليفة وقتله صلاح المسلمين، وهو الفساد عينه!!.
تأثر الصحابة بمقتل عثمان}:
لقد طاشت عقول المسلمين من قتل عثمان رضي الله عنه، وعظم ذلك في نفوسهم، وضاقت حيلتهم؛ من شدة الفتنة، وألم المصيبة، وهول الفاجعة؛ حتى إن علياً رضي الله عنه دخل على عثمان وهو مقتول فوقع عليه، وجعل يبكي، فظنوا أنه سيلحق به (3) من شدة ما ألَمَّ به!!
ورغم ما مرّ بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه من مصائب وحروب وفتن فإنه ما نسي مقتل عثمان رضي الله عنه، وتذّكره وهو يقابل أعداءه في موقعة الجمل لقتالهم، قال قيس بن عباد: "سمعت علياً رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة، وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صُدِع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى" (4).
¥