تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقت مقتل عثمان رضي الله عنه في الطريق إلى المدينة عائدات من الحج، فلما بلغهن الخبر رجعن إلى مكة، وأقمن بها أربعة أشهر إلى أن خفَّ ألم المصيبة (5).

سبب الفجيعة بمقتل عثمان}:

ما كان الصحابة رضي الله عنهم ليُفجعوا بمقتل عثمان هذه الفجيعة العظيمة لولا علمهم أن لهذا الحدث ما وراءه، فما كان لأمةٍ أن تخرج على سلطانها، وتقتل خليفتها، ثم تأمن بعد ذلك!!.

لقد أدرك الصحابة والتابعون رضي الله عن جميعهم حجم هذه الكارثة، وعلموا مقدار تلك الفتنة؛ فكانت فجيعتهم على قدر الحدث، ووصفهم لآثاره وقع كما ظنوا، وإليك طرفاً من أقوالهم يوضح حجم هذه الكارثة:

1 - قال التابعي الجليل زيد بن صُوحان رحمه الله تعالى: "يوم قُتِلَ عثمانُ نفرت القلوب منافرها، والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة" (6).

2 - سمع عبدالله بن سلام رضي الله عنه رجلاً يقول لآخر: "قتل عثمان ابن عفان فلم ينتطح فيه عنزان، فقال ابن سلام رضي الله عنه: أجل! إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، والله لتُقْتَلَنَّ به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد" (7).ووقع الأمر كذلك، نسأل الله العافية.

3 - كان حذيفة رضي الله عنه إذ ذاك مريضاً مرضه الذي توفي فيه، ولم يعلم بالأمر، فسمع رجلاً يناجي امرأته، ففتح عينيه فسألهما: "ماذا تقولان؟ فقالا: خير، فقال: إن شيئاً تُسِرَّانه دوني ما هو بخير! قال: قتل الرجل يعني عثمان قال: فاسترجع حذيفة ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل، فإن كان خيراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، وإن كان شراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، اليوم نفرت القلوب بأنفارها، الحمدلله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها، الحظي من تردى بعيره، فشبع شحماً وقلَّ عمله" (8).

4 - رأى التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى الوفد الذين قدموا من قتلة عثمان سألهم فقال:"أما مررتم ببلاد ثمود؟ قالوا: نعم، قال: أشهد أنكم مثلهم؛ لخليفة الله أكرم عليه من ناقته" (9).

5 - قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً، فاحتلبت به الأمة دماً" (10).

إن هذه الأقوال المتظافرة من الصحابة وكبار التابعين في فتنة مقتل عثمان لتدل على فهم سلفنا الصالح للواقع مع فقههم للنصوص، وتثبت أنهم رضي الله عنهم كانوا يدركون حجم الفتنة، وآثارها السيئة في الأمة، وأن دم عثمان رضي الله عنه الذي أهريق ظلماً وعدواناً ستتبعه دماء كثيرة لن يتوقف نزيفها إلا بخروج الدجال؛ فوقع الأمر كذلك في القرون الماضية في كثير من الأمصار، ومنذ مقتل عثمان رضي الله عنه وفتن الدماء يأخذ بعضها برقاب بعض إلى يومنا هذا.

مصير قتلة عثمان}:

أما قتلة عثمان، فإن كثيراً منهم ندموا أشدَّ الندم، وما ظنوا أن الأمور ستبلغ ما بلغت، ولكن ما نَفْعُ ندمٍ بعد سفك دم، وإشعال نار فتنة، لا يملك من أشعلها إطفاءها؟!.

ولما بلغ علياً رضي الله عنه أن قتَلَةَ عثمان ندموا تلا قول الله تعالى: كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين صلى الله عليه وسلملله 16 صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالحشر: 16} (11).

وتلا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حقهم قول الله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا صلى الله عليه وسلملله103صلى الله عليه وسلم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا صلى الله عليه وسلملله104صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالكهف:104} (12).

نعم والله! إنهم قد ظنوا أنهم أحسنوا صنعاً بقتله، وقد أساءوا أعظم الإساءة، ودعا سعد عليهم وهو مجاب الدعوة فقال: "اللهم أندمهم ثم خذهم" (13).

فاستجاب الله تعالى دعاء سعد، فما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً؛ كما أقسم على ذلك بعض السلف (14)، وبعضهم قتل شر قتِْلة بعد أن طُورِدوا وعُذِّبوا ومُثِّلَ ببعضهم.

نسأل الله العفو والعافية، كما أسأله أن يحفظنا والمسلمين من مضلات الفتن، ونوازع الهوى، والتباس الحق بالباطل.

بين مقتل عثمان وواقعنا الحاضر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير