تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فوصلوها وقد أضمر رؤوسهم الشر، وتشرب أتباعهم الفتنة، فوقعت أمور عظائم، وكثرت الأقاويل والشتائم التي أوذي فيها عثمان رضي الله عنه إيذاءً شديداً، حتى وقفوا عليه يوم الجمعة وهويخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاطعوه في خطبته بالسب والشتيمة، ثم حصبوه بالحصى فشجوه وأدموه، وخر مغشياً عليه رضي الله عنه، وحمل إلى بيته، وهو إمام المسلمين في وقته (5) فطمع فيه الخوارج أكثر من ذي قبل، ولا سيما أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم كانوا في الحج وفي الثغور، والبقية الباقية منهم في المدينة لا تكفي لرد عدوان الخوارج.

ذكر ابن كثير في الجواب عن عدم منع الصحابة رضي الله عنهم في المدينة الخوارج من قتل عثمان أوجهاً عدة قال في الوجه الثالث منها: "إن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج، ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة، بل لما اقترب مجيئهم انتهزوا فرصتهم قبحهم الله، وصنعوا ما صنعوا من الأمر العظيم" (6).

فعلهم بعثمان}:

حاصر الخوارج عثمان رضي الله عنه في بيته، ومنعوا عنه الماء الحلو، فشرب الماء المالح في حصاره، وحالوا بينه وبين الصلاة في المسجد، وهو إمام المسلمين!! أيفعل ذلك بعثمان رضي الله عنه وهو المبشر بالجنة، وقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، وجهز جيش العسرة من خالص ماله حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم" (7).

لقد منعوه الماء والصلاة في المسجد وهو شيخ كبير قد جاوز الثمانين، وهو إمامهم وولي أمرهم، وله عليهم السمع والطاعة، ولكنهم قوم مفتونون، قد أعمت الفتنة أبصارهم، ورانت على قلوبهم، فلم يميزوا بين رعاع وإمام، ولا عرفوا للصحابة فضلهم وهو من كبار الصحابة، بل من أوائلهم إسلاماً وهجرة، وجهاداًودعوة!!

أطل عليهم رضي الله عنه من داره وهومحصور، وقد أحاطوا به شاهرين أسلحتهم، متربصين به، فناقشهم وجادلهم، ووعظهم وذكرهم وقال لهم: "أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال: من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة (8)؛ فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين، ثم قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله خير منها في الجنة؛ فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها" (9) فأقروا له بذلك لكنهم ما استجابوا ولا سمعوا!!

طال حصاره رضي الله عنه حتى قارب أربعين ليلة، وعلم الخوارج أن الصحابة عائدون من الحج، وأن أهل الأمصار قد بلغهم ما يجري في المدينة، فسيِّروا الجيوش لنصرة الخليفه، فاستعجلوا قتله رضي الله عنه قبل قدوم الحجاج، ووصول الجيوش من الأمصار (10).

عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة قال: "مازال المصريون كافين عن القتال حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد" (11).

بشائر لعثمان}:

في آخر يوم من عمره رضي الله عنه رأى في المنام أنه إن قاتلهم بمن معه من المهاجرين والأنصار وأبنائهم فهو منصور، وإن تركهم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فاختار القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال لمن كانوا يحمونه من الصحابة وأبنائهم "أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله" ثم قال لرقيقه: "من أغمد منكم سيفه فهو حر" (12).

وعن أبي الصلت قال: "أغفى عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل فيه فاستيقظ فقال: لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم، قال: قلنا: أصلحك الله، حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي هذا فقال: إنك شاهد معنا الجمعة" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير