تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى أبو يعلى وعبدالله بن الإمام أحمد عن مسلمٍ أبي سعيد مولى عثمان ابن عفان رضي الله عنه: "أن عثمان أعتق عشرين مملوكاً، ودعا بسراويل فشدها لم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه" (14).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "إنما لبس السراويل رضي الله عنه في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل؛ فإنه كان شديد الحياء، كانت تستحيي منه الملائكة؛ كما نطق بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع بين يديه المصحف يتلو فيه، واستسلم لقضاء الله عز وجل، وكفَّ يده عن القتال، وأمر الناس وعزم عليهم أن لا يقاتلوا دونه، ولولا عزيمته عليهم لنصروه من أعدائه، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً" (15).

وثبت من غير وجه: أن أول قطرة من دمه سقطت على قول الله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صلى الله عليه وسلم لله137صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم البقرة: 137} ويروى أنه وصل إليها في تلاوته حين دخل عليه الخوارج الأشقياء (16).

وروى ابن سعد أنه لما طعن رضي الله عنه قال:"بسم الله، توكلت على الله، وإذا الدم يسيل على لحيته، فقطر والمصحف بين يديه فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول: سبحان الله العظيم، وهو في ذلك يقرأ المصحف، والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صلى الله عليه وسلم لله137صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم البقرة: 137} وأطبق المصحف وضربوه جميعاً ضربة واحدة" (17).

عاقبة القتلة الظالمين:

أقسم بعض السلف بالله تعالى: "أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً، أصابتهم دعوة سعد بن أبي وقاص حين دعا عليهم وهو مجاب الدعوة فقال: اللهم أندمهم ثم خذهم" (18)، وعن يزيد بن حبيب رحمه الله تعالى قال:"ما مات أحد منهم حتى جُنَّ" (19).

وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال:"كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي! فقلت: يا عبدالله، ما سمعت أحداً يقول ما تقول، قال: كنت أعطيت الله عهداً إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت، والناس يجيئون فيصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة، فرفعت الثوب عن وجهه فلطمته وسجيته، وقد يبست يمينى، قال ابن سيرين: فرأيتها يابسة كأنها عود" (20).

وعن سفيان بن عينيه عن طمعة بن عمرو وكان رجلاً قد يبس وشحب من العبادة، فقيل له: ما شأنك؟ قال: إني كنت حلفت أن ألطم عثمان، فلما قتل جئت فلطمته فقالت لي امرأته: أشلَّ الله يمينك، وصلى وجهك النار، فقد شلت يمني وأنا أخاف" وذكر ابن عساكر قصصاً أخرى في هذا المعنى (21).

فقه عثمان وحسن اختياره}:

هدي الصحابة رضي الله عنهم خيرُ الهدي، وهم أصلح الأمة قلوباً، وأزكاهم أعمالاً، وأكثرهم علماً وفقهاً، فمن رام الهداية إلى الحق، فليسلك مسلكهم، وليستمسك بهديهم، ولينهل من فقههم وعلمهم.

وفي حادثه مقتل عثمان رضي الله عنه، وموقفه من تلك الفتنة العمياء: ما يدل على أنه رضي الله عنه كان من كبار فقهاء هذه الأمة، ومن أشدهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لسنته، وعملاً بقوله، ولم تفقده الفتنة صوابه، ولاخرج عن الاتباع قيد أنملة، رغم ما مرّ به من شدة ومحنة.

ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في استسلامه لقضاء الله تعالى وقدره، وحقنه لدماء المسلمين، وتقديم مصلحة الأمة على مصلحته الخاصة؛ بالاكتفاء بسفك دمه دون دم غيره، مع وجود من سيدافع عنه، ويقيه بدمه؛ لكنه رأى أن لا فائدة من ذلك، وأحس بدنو أجله؛ فكان شجاعاً، واجه الأمر لوحده، وأعفى المسلمين من تبعة ذلك، فحقن بفعله هذا دماءً كثيرة.

وأعظم من ذلك فقهاً وعلماً: أنه رفض التنازل عن الخلافة؛ تلبية لمطالب الخوارج، ولو كان في ذلك ذهاب نفسه؛ إعمالاً للنصوص النبوية التي استحضرها في تلك الفتنة، وعلم ما فيها من العلم والفقه رغم ما هو فيه من الشدة والمحنة، فمن يثبت عقله كما ثبت عقل عثمان، في فتنةٍ تجعل الحليم حيران؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير