و عندما رجع يزيد من البادية، نشأ و تربى تحت إشراف والده، و نحن نعلم أن معاوية رضي الله عنه كان من رواة الحديث، - أنظر: تهذيب التهذيب لابن حجر (10/ 207) -، فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث و بعض أخبار أهل العلم. مثل حديث: من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، و حديث آخر في الوضوء، و روى عنه ابنه خالد و عبد الملك بن مروان، و قد عده أبوزرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، و هي الطبقة العليا. البداية و النهاية لابن كثير (8/ 226 - 227).
و قد اختار معاوية دَغْفَل بن حنظلة السدوسي الشيباني (ت65هـ)، مؤدباً لولده يزيد، و كان دغفل علامة بأنساب العرب، و خاصة نسب قريش، و كذلك عارفاً بآداب اللغة العربية. أنظر ترجمته في: تهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 210).
هذه بعضاً من سيرة يزيد رحمه الله قبل توليه منصب الخلافة، و قبل أن يوليه والده ولاية العهد من بعده.
توليه منصب ولاية العهد بعد أبيه
بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده، ففكر معاوية في هذا الأمر و رأى أنه إن لم يستخلف و مات ترجع الفتنة مرة أخرى.
فقام معاوية رضي الله عنه باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية، فرشح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر و باقي البلاد و أرسل إلى المدينة يستشيرها و إذ به يجد المعارضة من الحسين و ابن الزبير، و ابن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر، و ابن عباس. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين – (ص147 - 152) و سير أعلام النبلاء (3/ 186) و الطبري (5/ 303) و تاريخ خليفة (ص213). و كان اعتراضهم حول تطبيق الفكرة نفسها، لا على يزيد بعينه.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن المؤرخين والمفكرين المسلمين قد وقفوا حيال هذه الفكرة مواقف شتى، ففيهم المعارض، و منهم المؤيد، و كانت حجة الفريق المعارض تعتمد على ما وردته بعض الروايات التاريخية، التي تشير أن يزيد بن معاوية كان شاباً لاهياً عابثاً، مغرماً بالصيد و شرب الخمر، و تربية الفهود والقرود، و الكلاب … الخ. نسب قريش لمصعب الزبيري (ص127) و كتاب الإمامة والسياسة المنحول لابن قتيبة (1/ 163) و تاريخ اليعقوبي (2/ 220) و كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (5/ 17) و مروج الذهب للمسعودي (3/ 77) و انظر حول هذه الافتراءات كتاب: صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية فريال بنت عبد الله (ص 86 - 122).
و لكننا نرى أن مثل هذه الأوصاف لا تمثل الواقع الحقيقي لما كانت عليه حياة يزيد بن معاوية، فالإضافة إلى ما سبق أن أوردناه عن الجهود التي بذلها معاوية في تنشئة وتأديب يزيد، نجد رواية في مصادرنا التاريخية قد تساعدنا في دحض مثل تلك الآراء.
فيروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت، فقال له يزيد، و كان له مكرماً: يا أبا القاسم، إن كنت رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه، و أتيت الذي تُشير به علي؟ فقال: والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه، وأخبرك بالحق لله فيه، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وما رأيت منك إلاّ خيراً. أنساب الأشراف للبلاذري (5/ 17).
و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون، قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك، قال: و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا، قالوا: إنه عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، و لست من أمركم في شيء. البداية و النهاية (8/ 233) و تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61 - 80هـ – (ص274) و قد حسّن الأخ محمد الشيباني إسناده انظر مواقف
¥