وسجنهم المنصور بقصر ابن هبيرة شرقي الكوفة، وأحضر المنصور محمد بن ابراهيم بن الحسن ـ وكان أحسن الناس صورة. فقال له: أنت الديباج الأصغر: قال: نعم قال: لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً ثم أمر به فبنى عليه اسطوانة وهو حي فمات فيها، وكان ابراهيم بن الحسن أول من مات منهم، ثم عبدالله بن الحسن. وذكر أن المنصور أمر بقتلهم وقيل بل سقوا سماً.
دفعت هذه الأحداث، وإلحاح المنصور في طلبه محمداً أن يخرج فخرج قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم، فأنكر ذلك، ولكن إبراهيم تأخر عن وقته لجدري أصابه، وقد خرج في أول يوم من رجب (145هـ) وفي رواية لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، واستطاع السيطرة على المدينة.
كلف أبو جعفر المنصور عيسى بن موسى بقتال النفس الزكية وقال: لا أبالي أيهما قتل صاحبه، وأرسل معه 4000 من الجند وكتب إلى عيسى بن موسى من لقيك من آل أبي طالب فاكتب إلى باسمه ومن لم يلقك فاقبض ماله، فقبض عين أبي زياد "في ينبع"، وكانت لجعفر بن محمد "الصادق"، فلما قدم على أبي جعفر كلمه جعفر، قال: مالي قال: قد قبضه مهديكم. (28)
ينبع في العهد الأيوبي:
ومن قرية العلقمية بينبع ظهر مؤسس الطبقة الرابعة من أمراء مكة الأشراف في العام 597هـ (الشريف قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبدالله بن محمد بن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا عزيز الينبعي المكي) وكان هو وأهله يسكنون العلقمية من ينبع، وأصبح في قومه رئيساً، فجمعهم، وأركبهم الخيل، وحارب الأشراف بني حراب، من ولد عبدالله بن الحسن بن الحسن، وبني علي، وبني أحمد، وبني إبراهيم. ومن دوافع توجهه إلى مكة ما وصله من أخبار بني عمه الهواشم بني فليته من انهماكهم في اللهو، وتبسطهم في الظلم، وأعد نفسه وقومه وتوجه إلى مكة وقيل إنه لم يذهب بنفسه بل بعث ابنه حنظلة فملك مكة، وخرج منها مكثر بن عيسى بن فليته آخر أمراء مكة من الهواشم (وهم الطبقة الثالثة).
وكان قتادة مهيباً، وقوراً قوي النفس شجاعاً مقداماً، فاضلا وله شعر، ومن شعره عندما طلبه الخليفة العباسي الناصر أن يُقدم عليه ببغداد وافق في أول الأمر ثم تراجع خشية أن يُغدر به:
ولي كف ضرغام أصول ببطشها * وأشري بها بين الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها * وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي * خلاصاً لها؟ إني إذاً لرقيع
وما أنا إلا المسك في كل بلدة * أضوع وأما عندكم فأضيع
ويذكر ابن الأثير أن ولايته اتسعت من حدود اليمن إلى المدينة، وله قلعة بينبع،، وأكثر من العسكر والمماليك، وخاف العرب في تلك البلاد منه خوفاً عظيماً، وكان أول ملكه حسن السيرة، فقد أزال عن مكة العبيد المفسدين، وحمى البلاد، فأحسن إلى الحجاج وأكرمهم، إلا أنه بعد ذلك وفي آخر أيامه ساءت سيرته، وتوفي في 617 أو 618هـ في شهر جمادى الأولى أو الآخرة. (29)
وفي العام 621هـ وفي خضم التنافس بين حكام مصر وحكام اليمن على مكة اشترى الأيوبيون في مصر ينبع من الأشراف بني الحسن وقصدوا بذلك الإشراف المباشر على ميناء ينبع، وقدر المبلغ الذي تم دفعه للأشراف بأربعة آلاف مثقال، ولم تزل بأيدهم إلى سنة 630هـ، وأقاموا فيه بعض الإنشاءات، ورغم استعادة الأشراف السيطرة على الميناء إلا أن الأيوبيين استرجعوه وبنوا فيه قلعة حصينة ووضعوا فيه عسكراً لحمايته، وبالتالي أصبحت ينبع الميناء سيدة الأحداث القادمة، اُتخذت الميناء الرئيسي للمدينة وأصبحت في المرتبة الثانية بعد جُدة. وبالرغم من سيطرة الأيوبيين بقيت ينبع ملاذاً لأمراء مكة في صراعاتهم الداخلية، فكانت أحياناً تؤوب إليها الأحداث من مكة، وأحياناً تنطلق منها بخروج أمير من بني الحسن منها أو بدخول أمير من بني الحسن إليها .. وفي سنة 700هـ نال ينبع خيراً عندما نزل بها الأمير بكتمر الجو كندرا وأنفق في حجته خمسة وثمانين ألف دينار، فقد جهز سبعة مراكب في البحر الأحمر تحمل الغلال والدقيق وأنواعاً من العسل والسكر والزيت والحلوى وغير ذلك، وعند وصوله ينبع وصل من هذه المراكب ثلاثة ففرق كثيراً من محتوياتها بين الحجاج الذين يمرون ينبع بحراً أو براً، وكذلك نال أهل ينبع منها نصيبٌ، وكذلك فعل في جُدة ومكة، ولم ينس أيضاً حجاج
¥